هل باتت الدولة الفلسطينية مطلبا عالميا ؟

بقلم : أحمد صيام

بقلم : أحمد صيام
في تطور مفاجىء ، وفي الوقت الذي دأبت الادارات الامريكية المتعاقبة ، على رفض الاعتراف بدولة فلسطينية ، سواء على المستوى الثنائي أو في مؤسسات الأمم المتحدة ، مع تأكيدها الدائم على أن الدولة الفلسطينية لا يجب أن تتحقق إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين ، اعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ، ماثيو ميلر، الشهر الماضي أن الولايات المتحدة تسعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية لإسرائيل ، مضيفا أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ، تعتقد أن هذه أفضل وسيلة لضمان السلام والأمن لكلا الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي والمنطقة ككل ، دون الخوض بتفاصيل حول الرؤية الامريكية لهذه الدولة .
وفي ذات السياق ، وبالتزامن مع الحديث الامريكي ، أشار وزير الخارجية البريطانية ، ديفيد كاميرون اول الشهر الجاري إلى أن بلاده يمكن أن تعترف رسميا بالدولة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب في غزة ، دون انتظار نتيجة ما ستسفر عنه محادثات مستمرة منذ سنوات بين إسرائيل والفلسطينيين حول حل الدولتين ، مؤكدا على ضرورة إظهار تقدم لا رجعة فيه نحو هذا الحل .
هذا التطور المفاجىء في الموقفين الامريكي والبريطاني يقود الى مجموعة من الاستفسارات بعيدا عن الخوض في تفاصيل الدولة الفلسطينية : ما مدى جدية الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية ، ام انه مجرد كلام معسول يقصد به الخداع المعهود وترحيل الصراع الى سنوات الخرى وسراب لن يجنى منه سوى الشوك ؟ لماذا جاء الحديث الغربي عن إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية في هذا التوقيت ؟ هل ستغير دولة الكيان موقفها وتقبل بقيام دولة فلسطينية الى جانبها ؟ هل ستستطيع الولايات المتحدة واوروبا اقناع او الضغط على دولة الكيان للقبول بدولة فلسطينية ؟ هل تطورات الوضع الميداني فرضت اجندتها على الارض ، بحيث باتت الدولة الفلسطينية مطلبا عالميا ؟ هل حقا الشعب الفلسطيني ذاهب الى الاستقلال ودولة مستقلة ؟ وربما هناك استفسارات اخرى ، تطورات الميدان المستقبلية كفيلة باظهارها الى ارض الواقع ..
قبل محاولة الاجابة عن هذه الاستفسارات ، لا بد من الاشارة الى ان الكونجرس الامريكي كان قد صوت على مشروع قانون يحظر دخول جميع أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية إلى الولايات المتحدة ، إضافة إلى أعضاء حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي ، وذلك بالتزامن وحديث الخارجية الامريكية عن الدولة الفلسطينية .
دولة الكيان ، والتي قامت على ارض فلسطين بقراربريطاني واوروبي ودعم امريكي ، كانت الركن الاساس في الاستراتيجية الامريكية لمنطقة الشرق الاوسط ، وجوهر سياستها ، وضمان تفوقها بكافة المجالات ، وهيمنتها كقوة اقليمية تستخدمها كاداة ضغط لمواصلة السيطرة على مقدرات المنطقة ، الى درجة ان الولايات المتحدة اسقطت ورق التوت عن نفسها وكشفت عورتها ، ما دامت تخالف ما ترفعه من شعارات حول الديموقراطية وحقوق الانسان ، وتقف خلف دولة الاحتلال التي تخالف في اجراءاتها العنصرية كافة هذه الشعارات والقوانين والاعراف الدولية ، وايضا تدعم انظمة سمتها الفساد والاستبداد تقود المنطقة وتقمع شعوبها ، وكانت النتيجة ان اصبحت هذه تالشعوب تنظر الى امريكا كعدوة لها والشيطان الاكبر .
ولطالما رفضت الولايات المتحدة باداراتها المختلفة ، فكرة الدولة الفلسطينية ، او انهاء الصراع على هذه القاعدة ، ووقفت امام كافة المنابر الدولية والاقليمية ضد اي قرار يدعمها . العلاقات الامريكية الفلسطينية شهدت مدا وجزرا على مر التاريخ ، بين فتور وتوتر، بين تطور ايجابي محدود النطاق وانتكاسة دفعت باتجاه حالة اقرب الى كسر عظم بين الجانبين ، واخرها في عهد ولاية الرئيس الاسبق ترمب حين اعلن عن القدس بغربيها وشرقيها عاصمة لدولة الكيان ، وما اطلق عليه في حينها صفقة القرن ، متجاهلا ما كان قد جرى التفاهم عليه سابقا واتفاقيات اوسلو واتفاقيات السلام العربية الاسرائيلية ، ما ادى الى ما اشبه بالقطيعة في العلاقات الثنائية ، فما الذي طرأ واخترق الجدار الامريكي ، وغير الموقف تجاه الدولة الفلسطينية ؟
من دون شك في السياسات الدولية هناك نقاط تحول في المواقف ، احيانا تكون تداعياتها اهم بكثير من حقائق موجودة على الارض ، فعملية طوفان الاقصى النوعية في السابع من اكتوبر الماضي ، كانت نقطة تحول قلبت الامور رأسا على عقب في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والعربي الاسرائيلي ، دفع بالعالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية الى النظر اليها بمفاصل ومنعطفات جديدة ، خاصة وان هناك معطيات مختلفة وقفت امام السياسة الامريكية في المنطقة ، وكانت معطلة لكثير من المصالح الامريكية ، اهمها : تبوء حكومة يمينية متطرفة في دولة الكيان ، اغلب اعضاؤها من العقائدين الصهاينة ، الذين يتنكرون لحقوق الغير ويسعون الى التوسع والاستيطان والقتل والتدمير والخراب ، وفي الجانب الاخر يواجهون بشعب اتخذت فئة منه المقاومة عقيدة ووسيلة رئيسية للكفاح والنضال لايمكن مسها أو التنازل عنها لانتزاع الحقوق المسلوبة والكرامة المهدورة .
منذ عقود والصراع الفلسطيني الاسرائيلي وخاصة مع بدء عملية التسوية بمؤتمر مدريد في العام 1991 يراوح مكانه ان لم يكن في تطور سلبي على القضية الفلسطينية ، الى ان اندلعت معركة طوفان الاقصى المستمرة منذ اكثر من ثلاثة شهور، وما الحقته من خسائر كبيرة لم تعهدها دولة الكيان منذ نشوئها عام 1948 ، وكشف عورتها وتحطيم صورتها التي كانت تعد الدولة الاقوى في المنطقة ولا يمكن قهرها او تطويعها وتعتمد عليها الدول ذات الابعاد الاستعمارية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كاداة غليظة تحقق من خلالها مصالحها ، وفشلها في القضاء على المقاومة في قطاع غزة ، ما اضطر الغرب الى مد يد العون بكافة الاشكال اليها ، في محاولة لضمان وجودها الذي بات مهددا وغض الطرف عن بشاعة ردة فعلها البربرية ، وما لحقها من تطورات مفاجئة كالتسخين على الجبهة الشمالية وحرب الاستنزاف التي يقودها حزب الله اللبناني ، والحاقه خسائر بشرية واقتصادية كبيرة في الجانب الاسرائيلي ، وانضمام فصائل المقاومة العراقية واستهدافها المصالح الامريكية ، والمفاجىء كان تقييد الحوثيين في اليمن لحركة الملاحة في البحر الاحمر، ما احدث نقلة نوعية في الصراع ، بحيث اعادت القضية الفلسطينية الى سلم الاولويات الدولية والعربية والاقليمية وجعلت العالم مجتمعا يتحدث باللهجة الفلسطينية .
هذه النقلة النوعية في الصراع وفشل الحسم العسكري الاسرائيلي ، ربما كان العامل الاهم الذي دفع بالولايات المتحدة الى التفكير بدائرة اكثر اتساعا من ذي قبل ، والبحث عن حلفاء جدد حفاظا على مصالحها في المنطقة ، مع ضمان الحفاظ على الحليف الاساسي – دولة الكيان – ولكن من دون الاعتماد عليه بشكل اساسي .
ومن هنا اتى التطور المفاجىء في السياسة الامريكية واختلاف خطابها عما كان عليه سابقا ، والحديث عن ضرورة اقامة دولة فلسطينية ، بصرف النظر عن شكلها ونظامها ، لادراكها ان الشعب الفلسطيني واداءه في الفعل المقاوم بما تمثل في عملية طوفان الأقصى قد كشف اولا هشاشة دولة الكيان ، وقدرة الشعب الفلسطيني في الفعل والعمل والصمود والتأثير ، ومن ثم كشف الواقع الماساوي الذي يعيشه الفلسطينيين ، وضرورة العمل على استراتيجية جديدة تضمن وجود دولة الكيان لعقود اخرى من الزمن ، وانهاء الاحتلال الإسرائيلي العنصري ، وتمتع الشعب الفلسطيني باستقلاله بدولة فلسطينية باعتبار ذلك مطلبا اضحى ضرورة عالمية .
تلك هي مواقف الدول ومنطلقاتها في تغيير اللغة تجاه الصراع المفتوح ، وربما تلك تصريحات لا تمثل الا فقاعة سرعان ما ستتبخرمع تحقيق الولايات المتحدة ومعسكرها الغربي غاياتها بتسكين وتخدير المنطقة ، ولكن هذا لا يعني ابدا ان يبقى الخطاب الفلسطيني في دور المتلقي والمراقب ، بل المطلوب كإجراء فوري العمل على خلق استراتيجية موحدة يتم فيها تحديد المطالب الفلسطينية وتحديد المرجعية العالمية لخطاب الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، بعيدا عن مخالب الادارة الامريكية التي ما زال سلاحها يفتك بشعبنا ، اضافة الى ضرورة صياغة عقد اجتماعي فلسطيني جديد قائم على البناء على ما تحقق وليس تدميره ومنح تل ابيب انجازات عبر المسارات السياسية بعد ان فشلت في تحقيقها في الميدان وبآلتها الحربية الارهابية .

تابعنا عبر: