هل تقبل “حماس” عودة سلطة عباس لحكم غزة مجدداً؟

لا يكاد يغيب الحديث عن “تقوية السلطة الفلسطينية وإصلاحها لإدارة غزة بعد الحرب” عن تصريحات كثيرة يتناقلها مسؤولون أمريكيون وأوروبيون وعرب، وصولاً إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه، الذي يبدي استعداده لتحقيق ذلك بشروط محددة طرحها.

ويواجه الرئيس الفلسطيني، الذي هوت شعبيته بشدة، انتقادات حادة واحتقاناً شعبياً في الضفة الغربية مقر سلطته؛ بسبب صمته إزاء المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وبسبب قمع مظاهرات خرجت في الضفة تضامناً مع قطاع غزة.

وعلى الرغم من كل ذلك لا تجد واشنطن بديلاً لحكم غزة إلا في سلطة عباس التي تواجه بذات الوقت رفضاً من قبل الحكومة الإسرائيلية، لكن كل المؤشرات الأخيرة تؤكد وجود توجه دولي واسع للضغط نحو تسلم سلطة الرئيس الفلسطيني حكم غزة، في إطار محاولة لإنهاء حكم “حماس” على القطاع منذ العام 2007.

موافقة بشروط
فيما تؤكد “حماس” على لسان قادتها أن أي ترتيبات في الأراضي الفلسطينية دون الحركة وفصائل المقاومة “وهم وسراب”، يبدي الرئيس الفلسطيني استعداد سلطته لحكم غزة مجدداً لكن بـ3 شروط طرحها، معتبراً في الوقت نفسه أن السلطة “لم تغادر القطاع حتى تعود إليه”.

تأكيدات الرئيس الفلسطيني التي جاءت في مقابلة مع قناة “أون” التلفزيونية المصرية (26 ديسمبر 2023)، أشارت إلى أن ما تريده السلطة هو “وقف القتال وقفاً شاملاً، وفتح الأبواب للمساعدات الإنسانية، ومنع هجرة الفلسطيني خارج وطنه”، إلى جانب الموافقة على قرارات الشرعية الدولية وتطبيقها بالكامل، والذهاب في اليوم التالي للحرب إلى الاتفاق من أجل إقامة الدولة الفلسطينية.

ماذا تحمل المرحلة العسكرية الثالثة لحرب غزة؟

الأهم في حديثه كان تجاهل دور حركة “حماس” في حكم قطاع غزة إلى جانب المقاومة الفلسطينية، حيث أجاب عن سؤال عما إذا كانت توجد خطط أو كوادر لحكم غزة في اليوم التالي للحرب، أجاب: “لدينا كل شيء، والكوادر موجودة هناك (…)، نحن لم نخرج من غزة كي نعود إليها”.

إلا أنه تطرق إلى ما يتعلق بانضمام حركة “حماس” إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي يعترف بها المجتمع الدولي ممثلاً للفلسطينيين، حيث رأى أن ذلك ممكن “إذا استجابت الحركة لمجموعة من المطالب، من بينها اعتبار المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.

لكن ذلك يتعارض مع الموقف الذي تتبناه “حماس” وحركات المقاومة الأخرى، فبينما يؤكد عباس بقوله “نحن في ظرف لا يسمح لنا بالمقاومة العسكرية، ولذلك نتبنى المقاومة الشعبية السلمية”، تؤكد حركات المقاومة الفلسطينية أن لا خيار لاستعادة الأراضي المحتلة إلا بالمقاومة المسلحة وطرد الاحتلال ورفض التعايش معه.

رفض وضغوط
وتتكرر عبارات “تقوية السلطة الفلسطينية وإصلاحها لإدارة غزة بعد الحرب” في تصريحات المسؤولين الأمريكيين بمختلف المستويات منذ بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر الماضي، فيما يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هذا الخيار، ويريد الاحتفاظ بسيطرة أمنية على القطاع.

وكان ذلك لافتاً من الزيارة المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، التي شملت الأردن وقطر و”إسرائيل” والعراق ومصر والسعودية وقبرص، ثم “رام الله”، وحينها نقلت وكالة “رويترز”، عن مسؤول أمريكي رفيع قوله إن بلينكن أبلغ الرئيس الفلسطيني أنه يتعين على السلطة الفلسطينية أن تلعب دوراً محورياً في مستقبل غزة.

ووفق المسؤول الأمريكي أبدى الأخير استعداده “للمساعدة في إدارة القطاع” بعد “عزل” حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وفي أوج الحديث عن “ما بعد حماس” اليوم التالي للحرب، كانت شرطة غزة قد نشرت أفرادها شمالي القطاع  في اليوم الـ 69 للحرب على الرغم من المواجهات العنيفة بين المقاومة وجيش الاحتلال، في خطوة يفهم منها أن قوة “حماس” وحكمها باقيان رغم الدمار.

وسبق أن قال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، في خطاب متفلز (13 ديسمبر 2023)، إن أي ترتيبات في قطاع غزة دون حركته هي “وهم وسراب” و”لن تنجح”، معلناً أن الحركة “منفتحة على أي أفكار أو مبادرات لوقف الحرب”.

وترى حركة “فتح” التي يقودها الرئيس عباس، أن المقاومة الشعبية السلمية مترافقة مع عمل دبلوماسي دؤوب على الساحة الدولية، هي الوسائل الأكثر نجاعة في مواجهة هذه السياسات والإجراءات الإسرائيلية، بينما تقول “حماس” وحركات المقاومة إنها لن تتنازل عن حمل السلاح لمواجهة الاحتلال.

وفي 20 ديسمبر الجاري، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن القادة السياسيين في “حماس” شرعوا في محادثات مع نظرائهم بفتح في العاصمة القطرية الدوحة، بشأن كيفية حكم غزة والضفة الغربية بعد انتهاء الحرب.

ولا يعلم إلى أين توصلت تلك النقاشات، لكن عضو المكتب السياسي لحماس، حسام بدران، قال في تصريح للصحيفة حينها، إنهم يريدون الانضمام إلى الجماعات السياسية المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينية، مضيفاً: “سيكون حواراً وطنياً. قلنا دائماً إن منظمة التحرير الفلسطينية يجب أن تضم كل الفصائل الفلسطينية”.

وبين الحين والآخر يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتصريحاتٍ يقول فيها، إن جيشه لم يدخل قطاع غزة ليسلمه إلى السلطة الفلسطينية، مذكراً بأن القوات الإسرائيلية سلمت القطاع إلى تلك السلطة عند انسحابها منها عام 2005، لكن حماس طردتها منها عام 2007.

حماس غير مهتمة
فيما يتعلق بإمكانية عودة سلطة عباس إلى غزة يرى د.أحمد الزعتري، الأكاديمي والباحث السياسي، أن “عودة أو دخول أي طرف فلسطيني كي يكون الجسم أو الكيان السياسي الذي يتعامل مع المجتمع الدولي لن يكون إلا بموافقة الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية”.

ويعتقد أنه “لا يوجد أي فلسطيني يوافق على أن يأتي أحد، أياً كان، لحكم قطاع غزة على ظهر الدبابات الأمريكية أو الإسرائيلية”.

وأضاف: “كل ما ينشر هي فقاعات إعلامية لجس نبض العديد من الأطراف، أو التفكير بصوت عالٍ، في محاولة لإيجاد مخرج ينهي هذا العدوان، وخصوصاً بعد مواقف نتنياهو المتشددة برفض التعامل مع السلطة الفلسطينية”.

ويرى أن موقف نتنياهو بالأساس “يصعب المشهد ويحاول الضغط على الإدارة الأمريكية كي يكسب مزيداً من الوقت والتأييد”.

وفيما يتعلق بموقف “حماس” من عودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة، يقول الزعتري: “لا أظن أن حماس مهتمة كثيراً بالعودة إلى السلطة الكاملة على قطاع غزة ولكن ليس بتهميشها كما يريد الغرب”.

وتابع: “حماس أهم شرط عندها رفع الحصار عن قطاع غزة ووقف الحرب بشكلٍ كامل كأول خطوة، ثم وجود سلطة مقبولة وطنياً وشعبياً”.

البرغوثي والوساطة المصرية
ومع تصاعد الحديث عن ضرورة إحداث تغيير جوهري في السلطة الفلسطينية الحالية، تُجري أجهزة مصرية تعديلات وإضافات، بوتيرة مستمرة، على رؤية للقاهرة يمكن أن تحظى بالقبول فلسطينياً ودولياً، بشأن الأوضاع في فلسطين عامة وغزة خاصة.

تطرح القاهرة عدداً من الأسماء التي يمكن أن تساهم في تبني سيناريو الوصول إلى حل، أو على الأقل إلى تغيير جوهري في التعامل مع القضية الفلسطينية، ومن بينها إطلاق سراح القيادي بحركة “فتح” مروان البرغوثي، الأسير لدى الاحتلال، للدفع بمشروع “تجديد السلطة الفلسطينية” بشكلها الحالي.

ويواجه البرغوثي، الموجود في سجون الاحتلال منذ 21 عاماً، أحكاماً بالسجن المؤبد 5 مرات. وقد أظهرت استطلاعات للرأي أجريت قبيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية، والتي كانت مقررة عام 2021، قبل إلغائها في العام نفسه، تمتع البرغوثي بشعبية واسعة.

والتصور المصري لمستقبل قطاع غزة، وفقاً لما تناقلته وسائل إعلام من بينها موقع “العربي الجديد”، مبني على “دمج حركة حماس في السلطة الفلسطينية، ودخولها إلى جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، مع الإبقاء على الرئيس محمود عباس، كرئيس شرفي”.

وحالياً تعمل مصر ضمن وساطة تقودها، في إقناع طرفي الحرب على مبادرة طرحتها تتضمن هدنة مؤقتة ثم يتم تمديدها لاحقاً، وصولاً إلى وقف القتال، لكن المقاومة الفلسطينية رفضت تلك المقترحات قائلة إنها لن تتفاوض تحت إطلاق النار، ومطالبة بوقف شامل للحرب لإنجاح أي مقترحات، وهو الأمر الذي أكده الناطق باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” في آخر خطاب له (28 ديسمبر 2023).