هل ستهاجم إيران إسرائيل؟

يرى الكاتب السياسي آرش عزيزي أن الشرق الأوسط يستعد لهجوم لا تُعرف بالضبط أهدافه ومصدره وطريقته وتوقيته ونطاقه. فيوم الاثنين الماضي، استهدفت غارة جوية يشتبه بأنها إسرائيلية مجموعة من المسؤولين الإيرانيين في دمشق وينتظر مواطنو المنطقة الآن لمعرفة كيف سيرد النظام الإيراني.

شوشت إسرائيل إشارات نظام تحديد المواقع العالمي في جميع أنحاء الشرق الأوسط لتضليل الأسلحة الإيرانية، فلم يستطع الأشخاص الذين يعيشون في أماكن بعيدة من إسرائيل مثل جنوب شرق تركيا استخدام خرائط غوغل على هواتفهم الأسبوع الماضي. لقد وضع نظام تحديد المواقع الجميع في بيروت.

مقارنات

كتب عزيزي في مجلة “سبكتيتور” أن إسرائيل شنت عشرات الهجمات على أهداف إيرانية في السنوات الأخيرة، لكن هذا الهجوم ينتمي إلى مستوى خاص. لقد أدى إلى مقتل اللواء محمد رضا زاهدي، أحد كبار المسؤولين العسكريين في إيران، إلى جانب ستة من زملائه القادة في الحرس الثوري.
قارن بعض المحللين هذه اللحظة بشهر يناير (كانون الثاني) 2020، حين أطلقت طهران عشرات الصواريخ على قاعدتين أمريكيتين في شمال العراق، بعدما اغتالت الولايات المتحدة قائد قوة القدس آنذاك قاسم سليماني، لكن من دون أن تقتل شخصاً واحداً. لقد فعلت إيران ذلك عمداً لتجنب التصعيد. لكن ما يجعل هذه اللحظة أكثر خطورة هو أنها قد تنطوي على مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، وهما ألد الأعداء في المنطقة. لقد تجنب الطرفان، مع الولايات المتحدة، هذا الأمر منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

ضغوط متزايدة على خامنئي

بعد وقت قصير من هجوم الاثنين، وعد المرشد الإيراني الأعلى والقائد الأعلى للقوات المسلحة آية الله علي خامنئي بأن “رجاله الشجعان” سيردون على “النظام القاسي” في إسرائيل. وفي إحاطات إعلامية لوسائل إعلام أمريكية، قال مسؤولون إيرانيون بارزون إن الرد المباشر سيأتي قريباً. وهذا ما قاله أحدهم للكاتب نفسه. وقال موفد إيران إلى الأمم المتحدة إنه لن يتحدث إلى وسائل الإعلام إلا “بعد رد إيران على إسرائيل”.

مرت ستة أيام منذ الغارات على دمشق، وثمة ضغوط متزايدة على خامنئي للقيام بشيء ما. لا يأتي الضغط فقط من أولئك الذين يعارضون الدولة اليهودية أيديولوجياً، بل أيضاً من أولئك الذين يعتقدون أنه يجب على إيران أن تولد نوعاً من الردع المستقبلي ضد دولة تهاجم أراضيها الدبلوماسية. ودعا العديد من المعلقين الإيرانيين النظام إما إلى ضرب إسرائيل أو إلى السعي للحصول على سلاح نووي كرادع أكثر فاعلية. وكتبت مجموعة طلابية إيرانية متشددة رسالة مفتوحة إلى خامنئي تسأله بلاغياً، وبشكل شبه ساخر، عما إذا كان هناك “خط أحمر” قد تتجاوزه إسرائيل لإجبار إيران على الرد.

موقف صعب

بحسب الكاتب، يجد المرشد الأعلى نفسه في موقف صعب. من ناحية، هناك مطالبة صاخبة بالهجوم على إسرائيل. من ناحية أخرى، يمكن لأي مواجهة مباشرة مع إسرائيل أن تدمر نظام خامنئي. طوال سنوات، استغرق كامل وقته متحيناً الفرصة، وبذل جهداً كبيراً لبناء مجموعة من الميليشيات في المنطقة بدون دخول حرب مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. وكان أنصاره يشيدون بهذا الأمر معتبرين إياه شكلاً حكيماً من أشكال “الصبر الاستراتيجي”. وقد نجح الأمر إلى أن فشل. كشفت إسرائيل الآن خدعة خامنئي عبر شن هجمات متكررة على الإيرانيين وحلفائهم في غزة ولبنان.
يتحدث العديد من الإيرانيين ذوي النفوذ عن بدء حرب شاملة مع إسرائيل. في جنازة زاهدي ورفاقه التي أقيمت يوم الجمعة الذي صادف أيضاً يوم القدس السنوي، قال رئيس الحرس الثوري حسين سلامي الذي كان دائماً خطيباً يلقي كلمات نارية إن إسرائيل “في وحدة العناية المركزة” وإنه “حين يرفع الغرب أجهزة التنفس الصناعي، سيتم تدمير النظام الصهيوني”. ووعد بأن “هذه اللحظة قريبة لا بعيدة”. وفي الخطبة الأسبوعية لآية الله أحمد علم الهدى، إمام صلاة الجمعة في مشهد، وعد بأن دمار إسرائيل مقبل.

للإصغاء بعناية أكبر

لكن عزيزي دعا القراء إلى الانتباه بعناية أكبر لرؤية اللعبة المعتادة المتمثلة في الخطاب القاسي المقترن بإدارة التوقعات. في كلمة ألقاها مؤخراً، وعد زعيم حزب الله حسن نصرالله بقدوم الرد الإيراني “الحتمي”، لكنه قال أيضاً إن “فن المعركة” هو إبقاء العدو في حالة تخمين. يبدو أن تعليقاته تبرر رداً عند الطرف الأصغر من الطيف. وقال علم الهدى: “ينبغي ألا نكون متسرعين في معاقبة العدو”. وسرعان ما تصدر كلامه عناوين الصحف. وفي حديثه إلى وسائل إعلامية أثناء مشاركته في مسيرة يوم القدس، قال نائب قائد الجيش الإيراني إن رد البلاد سيكون “عقلانياً مع بُعد نظر وفي الوقت المناسب”.

يعتقد عزيزي أن خامنئي سيفعل مرة أخرى ما يتوقعه الإيرانيون منه: التحدث بنبرة عالية وفعل القليل. أو من منظور الشعب الإيراني، يعرف النظام كيف يكون جريئاً عندما يسجن ويقتل نساءه وشبابه، لكنه يرتعد عندما يواجه خصوماً أجانب أقوياء. من المرجح أن يكون هناك نوع من الرد الرمزي، لكن إيران ستتجنب مواجهة انتحارية مع إسرائيل. وقد يقوم النظام حتى بتحذير الإسرائيليين من خلال قنوات سرية، بحيث قد يكون الأمريكيون الذين كانوا يجتمعون سراً مع الإيرانيين في مسقط خلال الأسابيع القليلة الماضية رسلاً مفيدين، وذلك للتأكد من أنهم لن يفاجَؤوا بشكل غير مبرر.

شعور محق

بغض النظر عن ذلك، من حق الناس أن يشعروا بالقلق بحسب عزيزي. تحدث العديد من الحروب بالرغم من عدم رغبة أطرافها الأساسيين على كلا الجانبين. ثمة احتمال حقيقي جداً بأن تؤدي سلسلة من الحسابات الخاطئة من أي من الجانبين إلى اندلاع حرب أكثر تدميراً من الصراعات الحالية في الشرق الأوسط.

شاهد أيضاً