السياسي – يكاد يكون من المستحيل استيعاب حجم الرعب الذي ألحقته إسرائيل بغزة على مدى الأشهر التسعة الماضية، فقد أدى قرار جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب بتوسيع نطاق تفويضه لقصف الأهداف غير العسكرية وإلحاق الأذى بالمدنيين إلى استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وجعل قطاع غزة غير قابل للتعرف عليه.
ويواجه السكان الناجون الجوع والنزوح الجماعي نتيجة للسياسات الإسرائيلية المتعمدة، والتي تنتهك القوانين الدولية للحرب.
وأوضحت مجلة «+972» أنه في كل يوم تظهر أدلة مروعة أكثر فأكثر تكشف عما يسعى العديد من الإسرائيليين إلى إخفائه، في وقت قدمت فيه جنوب إفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهم فيها إسرائيل بالإبادة الجماعي، كذلك طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش، يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
-جرائم حرب
ووجدت لجنة تابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن قوات الاحتلال الإسرائيلية ارتكبت جرائم مثل التجويع والقتل والإيذاء المتعمد للمدنيين والنقل القسري والعنف الجنسي والتعذيب.
وحتى الولايات المتحدة، أقرب حليف لإسرائيل، خلصت إلى أن استخدام إسرائيل للأسلحة في غزة «يتعارض» مع قانون حقوق الإنسان.
وأشارت المجلة إلى أن القادة والدبلوماسيين الإسرائيليين يرددون حتى الغثيان شعاراً مستهلكاً مفاده أن «جيش الاحتلال هو الأكثر أخلاقية في العالم».
ويستند هذا الادعاء، من بين أمور أخرى، إلى الآليات القانونية التي يفترض أن يمتلكها الجيش والتي توافق ظاهرياً على كل هجوم وتحقق في الشكوك حول انتهاكات القانون الدولي.
وفي حججه أمام محكمة العدل الدولية ضد الاتهام الموجه إلى إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، أشاد فريق الدفاع الإسرائيلي مراراً وتكراراً بهذه الآليات القانونية، وزعم المحامون أنه حتى لو ارتكب الجنود الإسرائيليون جرائم حرب فإن «النظام قادر على التحقيق فيها بمفرده».
ولكن تقريراً جديداً أعدته منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «يش دين» أظهر كيف أن الدور الرئيسي الذي يلعبه نظام إنفاذ القانون العسكري في إسرائيل يتلخص في الحفاظ على مظهر المساءلة الداخلية من أجل حماية نفسه من الانتقادات الخارجية.
وكانت مجلة «+972» وصحيفة «الغارديان» كشفتا مؤخراً أن وكالات الاستخبارات الإسرائيلية راقبت أنشطة المحكمة الجنائية الدولية، جزئياً لتحديد الحوادث التي أحيلت إلى مكتب المدعي العام للتحقيق فيها؛ كي يقوم الاحتلال بفتح تحقيقات بأثر رجعي في نفس القضايا ثم ترفض تفويض المحكمة الجنائية الدولية على أساس «مبدأ التكامل».
-وهم المساءلة
في نهاية شهر مايو/أيار، أعلنت المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية، يفعات تومر يروشالمي، أنها أمرت بإجراء تحقيقات جنائية في ما لا يقل عن 70 حادثة يشتبه في أنها جرائم حرب في غزة.
وجاء هذا بعد أن أحال الجيش مئات الحوادث إلى آلية تقييم الحقائق التابعة لهيئة الأركان العامة، وهي هيئة عسكرية تهدف إلى إجراء فحص أولي وسريع للانتهاكات المشتبه فيها للقانون الدولي، قبل أن يقرر المدعي العام العسكري ما إذا كان سيفتح تحقيقاً جنائياً أم لا.
يُزعم أن هذه علامات على التزام إسرائيل باحترام قوانين الحرب. ومع ذلك، فإن فحص الهجمات الإسرائيلية على غزة على مدى العقد الماضي – بما في ذلك هجوم عام 2014 المعروف باسم «الجرف الصامد»، وقمع مسيرات العودة 2018-2019 ، وعملية 2021 المعروفة باسم «حارس الأسوار» – يُظهر أنه من غير المرجح للغاية أن يكون لدى إسرائيل أي نية للتحقيق بشكل صحيح أو معاقبة أو منع جرائم الحرب.
ومنذ عام 2014، تم لفت انتباه الجيش إلى مئات الحوادث التي أثارت شكوكًا حول ارتكاب جرائم حرب. وقد تم نقل الغالبية العظمى من هذه الحوادث إلى آلية التحقيق في جرائم الحرب، ولكن تم إغلاقها دون تحقيق جنائي بعد مراجعتها.
وأوضحت المجلة أن عمل هيئة التحقيق والمحاكمة العسكرية وتشكيلة أعضائها يظلان سريين، لذا فمن غير المرجح أن نتعرف على تفاصيل عملية التحقيق أو الأساس المنطقي وراء إغلاق القضايا دون تحقيق.
ومع ذلك، سواء أوصى بذلك مكتب التحقيقات والمحاكمة العسكرية أم لا، فإن أغلب التحقيقات الجنائية التي فتحها المدعي العام العسكري وأجرتها الشرطة العسكرية قد أغلقت دون توجيه اتهامات لأي جنود أو قادة.
وأكدت المجلة أنه من بين نحو 600 حادثة وقعت في غزة خلال السنوات العشر الماضية وأثارت شكوكاً حول انتهاكات للقانون، ولم تعرف نتائجها إلا ثلاث تحقيقات ــ تحقيق واحد لكل هجوم عسكري ــ أسفرت عن توجيه اتهامات. وحتى في هذه الحالات النادرة، يظل التمويه يشكل عنصراً أساسياً في تكتيكات الجيش، حيث يتجنب الجناة العقاب القاسي.
-الفشل المستمر
وأكدت المجلة الإسرائيلية أن الفشل المستمر للجيش في التعامل مع الشكوك في ارتكاب جرائم حرب هو حقيقة مفادها أن نظام إنفاذ القانون الإسرائيلي لم يعالج حتى الآن سياسات إسرائيل فيما يتصل باستخدام القوة وامتنع عن التحقيق مع صناع القرار الحكوميين والعسكريين.
-75 منظمة أميركية
وانتقدت أكثر من 75 منظمة أميركية، من بينها «الصوت اليهودي من أجل السلام»، الدعم والتسليح الأميركي لإسرائيل، في وقت يستمر فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لما يقرب من 10 أشهر.
وقالت المنظمات الأميركية إن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو تستخدم دعما وأسلحة أميركية لقتل نحو 40 ألف فلسطيني بغزة، موضحة أن الحصار الإسرائيلي يتسبب في تجويع الأطفال الفلسطينيين، ودفع غزة إلى حافة المجاعة الكاملة.
وأكدت المنظمات أنه لكي نتمكن من الوصول لوقف دائم لإطلاق النار، يجب أن تمارس واشنطن الضغط على نتنياهو من خلال إنهاء تدفق الأسلحة.