وسام رفيدي
في ذات يوم صدور قرار مجلس الأمن الأخير، أطلقت المقاومة رشقات صاروخية تجاه عسقلان وأسدود. للحدثين المتزامنين أهمية استثنائية، وإن كانت أهمية الأول طغت على الثاني، وهذا مفهوم، ولكن ذلك التزامن، ربما كان مقصوداً من جهة المقاومة، وربما لا، وهذا لا يغير من حقيقة العلاقة بين الحدثين.
حقيقة العلاقة هي أن الثاني قاد للأول، وكان حافزاً له، وان ليس في لحظة الحدث، بل بتراكمات هذا الحدث، فصمود المقاومة، وقدرتها على إطلاق رشقات صاروخية، واقتناص الآليات والجنود، وعودتها لمناطق الوسط والشمال، التي جرى (تطهيرها) حسب المزاعم الإسرائيلية، هو ما دفع الأمريكيين لاتخاذ موقف بعدم استخدام الفيتو، كضغط على حكومة نتياهو لوقف الحرب مؤقتاً، إذ أن هذه الحرب لم تحقق شيئاً مما أعلنه مفجّروها، سوى الإبادة التي وضعت السياسة الأوروبية والأمريكية في خانة الحرج أمام الشعوب وانتفاضتها في الشارع.
والمواعيد التي أعلنها الأمريكيون مراراً أمام الصهاينة لتحقيق الأهداف المعلنة، مثل نهاية ديسمبر، ومن ثم أواسط يناير ثم نهايته، لم ينجح الصهاينة ان يحققوا منها شيئاً، فازدادت عزلة السياسة الأمريكية والأوروبية، أمام صمود المقاومة وقدراتها، وأمام ذلك الكم غير المسبوق من النزعة الانتقامية المنفلتة من اية معايير أخلاقية. نزعة باتت ترى جثث الأطفال والنساء والمنشآت المدمرة (نجاحات وانتصارات).
كل هذا دفع بالأمريكيين للسعي لوقف إطلاق النار، المؤقت وليس الدائم، إنقاذاً للمشروع الصهيوني من حكومة لا ترى في الفعل العسكري سوى الانتقام الهمجي، وإستعادة هيبة عسكرية انتهت في 7 أوكتوبر وما يليه حتى اليوم، فيما يرى الأمريكيون مستقبل المنطقة وقد اندمج فيه الكيان نهائياً ورسمياً عبر البوابة السعودية، وعبر رسم خارطة نهائية للهيمنة الأمريكية في المنطقة، ومن ضمن تلك الخارطة تصفية القضية الوطنية والمقاومة، عبر الطرح الأمريكي (لليوم التالي)، الذي يترجم محلياً بحكومة تكنوقراط كمطلب أمريكي اساسي لليوم التالي الأمريكي.
وكي لا يندفع أحد بحماسة غير واقعية، بتقييمات متفائلة للعلاقات الأمريكية الصهيونية، بفعل القرار الأخير لمجلس الأمن، ينبغي التأكيد مبدئياً ان القرار الناتج عن الصمود الاستثنائي لشعبنا والمقاومة وقدراتها على الفعل العسكري، هو ما أوقع الصهاينة والأمريكيين في أزمة جدية، كان القرار الأخير نتاجها. من هذه الناحية يمكن اعتباره وبحق تطور تاريخي على المستوى السياسي العالمي، إذ ومنذ 76 عام لم تتكتل المؤسسات الدولية كما الآن ضد الموقف الصهيوني، وهذا ما يمكن اعتباره وبحق عزلة قاتلة لا يمكن إلا أن تترك تأثيرها على القرار الصهيوني، وإن تأجل، بالانصياع لوقف العدوان، وعلى المحاولات الأمريكية الحثيثة في سعيها لإنقاذ وليدها الاستعماري، الكيان الصهيوني.
نعم هو قرار تاريخي، ولكنه لا يعني موقفاً أمريكياً من العدوان نهائياً، فأمريكا مع استمرار الإبادة والتقتيل، وإن بآليات تختلف عن الآلية الانتقامية المننفلتة لنتياهو التي تسبب (الحرج) للأمريكيين. إن عدم صدور القرار تحت البند السابع، الذي يعطي الشرعية لتدخل دولي عسكري لفرض القرار، لا يقلل من أهميته التي ينبغي استثمارها لمزيد من الحشد الدولي، الرسمي والشعبي، ضد الكيان وانتقاميته الهمجية بغرض تنفيذ القرار ووقف العدوان.
كان كيربي، الناطق باسم البيت الأبيض، صريحاً حين قال: القرار ليس له تأثير على قدرات إسرائيل على مواجهة حماس. أما بخصوص رفح، فالنقاش هو حول (خطط) تخفف من قتل المدنيين ما أمكن، يعني 150 قتيل في اليوم أفضل بالنسبة لهم من 1000، وكان رقم 150 قد تردد هنا وهناك باعتباره يعكس تراجعا في معدل القتل!! إنهم يرون شعبنا كأرقام جثث، يجري المفاضلة بين رقم وآخر وفق حسابات النخاسة السياسية الاستعمارية. كل ذلك مراعاة للوضع السياسي المتزعزع للامبرياليات الأمريكية والأوروبية في علاقتها مع الكيان، المتزعزع بفعل صمود شعبنا والمقاومة وقدراتها، وبفعل السلوك الانتقامي للكيان الذي فجّر ويفجّر انتفاضة دولية تطال في موقفها ليس الكيان فحسب، بل وتلك الامبرياليات.
وبمعزل عن تصريح كيربي، فالبنتاغون أعلن انه لن يستخدم تزويد الكيان بالسلاح كمعاقبة له على عدم انصياعه لنصائح الإدارة الأمريكية. فالجسور البرية والجوية والبحرية ما زالت تضخ السلاح والذخيرة للكيان، وأمريكا لم تعلن مطلقاً موافقتها على (وقف إطلاق نار دائم)، بل تؤكد دائماً على مطلب (وقف إطلاق نار مؤقت)، بحيث أن أي وقف لإطلاق النار عبر التفاوض او عبر مجلس الامن لن يمس قدرة الكيان على مواصلة العدوان أو ما تدعوه الامبريالية الأمريكية (سحق حماس)، وهذا ما يعلنوه يومياً.
في الميدان كل المؤشرات تؤكد استمرار الامبريالية الأمريكية بالمشاركة الفعلية في حرب الإبادة ضد شعبنا، فالخلاف مع الكيان ليس سوى على الآليات (الأقل حرجاً للأمريكيين) لممارسة الإبادة تحت شعار سحق حماس.
وعليه ينبغي للتحليل السياسي، وإن كان عليه أن لا يقلل من أهمية قرار مجلس الأمن الأخير، أن لا يذهب بعيداً فيصاب بالشطط متصوراً ان القرار تغيّر جوهري في السياسة الأمريكية تجاه الكيان. وفي ثنايا العديد من المواقف والتصريحات والبيانات للبيت الأبيض ومشرعين وصحافيين، يمكن اعتبار الموقف الأمريكي موقفاً من نزق وانتقامية الفاشي نتياهو، لا من الكيان وسعيه لإبادة شعبنا.
صدر القرار وأعلن الكيان أنه لا يعنيه اصلاً. فهل سيلجأ مجلس الأمن لقرار إضافي يلزم الكيان بتنفيذ القرار الأول. نهائياً، لأن البيت الأبيض بالمرصاد، عبر الفيتو، لإفشال أي دعوة لإلزام الصهاينة بقرارات مجلس الامن كما هو الحال منذ 76 عاماً، وهذا ما يؤكد المشاركة الأمريكية في حرب الإبادة والتطهير الاستعمارية الصهيونية، ايضاً منذ 76 عاما هي عمر الكيان.