صادق المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية “الكابينيت” في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، الأحد الماضي، على قرار قدمه وزيرا الجيش والمالية يقضي باستئناف تنفيذ تسوية الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، وبدء تسجيلها ضمن سجلات الطابو الإسرائيلي، وتحديدا في المناطق المصنفة (ج).
كما أصدر وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي تعليماته بمنع هيئة تسوية الأرضي والمياه الفلسطينية من مواصلة إجراءاتها لتسوية في هذا الاطار في ذات المناطق، وتعطيل عمل المكاتب التابعة لها. وصدرت التعليمات لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وكذلك لجهاز الموساد لمتابعة الأموال التي تخصصها السلطة الوطنية الفلسطينية لهذا الغرض، ودراسة آليات قرصنة ما تم إنفاقه على عمل هيئة التسوية الفلسطينية في المناطق المصنفة (ج) من عائدات المقاصة الشهرية التي تجبيها الحكومة الإسرائيلية والتي تعود للسلطة الوطنية الفلسطينية طبقا لاتفاقية باريس الاقتصادية.
ووفقا للخطة الإسرائيلية فإن عملية التسجيل ستجري في ظروف تحرم أصحاب الأراضي الفلسطينين، وخاصة المقيمين خارج الأراضي الفلسطينية -سواء بسبب التهجير الإسرائيلي أو لأسباب أخرى- من حقهم القانوني بالملكية، مما حول القرار بشكل عملي إلى خطة استيلاء ونزع ملكية كبيرة على مساحات زراعية ومناطق رعوية واسعة يملكها الفلسطينيون منذ عقود، ومن المهم هنا الإشارة إلى أن هذا القرار يتعارض بشكل كامل مع القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع قوة الاحتلال من إجراء أية تسوية أو تسجيل للأراضي في الأراضي المحتلة.
بدأت أعمال تسوية الأراضي في فلسطين بوقت مبكر من أواخر القرن التاسع عشر في أواخر الحكم العثماني لفلسطين، واستمرت مع وجود الانتداب البريطاني، حيث بدأت سلطات الانتداب تسجيل الأراضي وتسويتها منذ عام 1928، والتي عملت بشكل رئيسي على تهيئة الظروف المناسبة لتنفيذ وعد بلفور وإقامة دولة اسرائيل، وكان أغلب مأموري التسوية في تلك الفترة من الحركة الصهيونية، واستهدفت التسوية البريطانية بشكل رئيسي توسيع بند أراضي الدولة التي قدمتها بريطانيا هدية للمشروع الصهيوني، إضافة إلى تفتيت الملكيات وإزالة الشيوع تسهيلا لتسريب الأراضي لصالح الحركة الصهيونية.
بعد وحدة الضفة مع المملكة الأردنية صدر قانون التسوية الأردني (رقم 40 لعام 1952 وتعديلاته)، ومنذ العام 1952 تعدت النسبة التي تم تسويتها من أراضي الضفة الغربية حوالي 30% من مساحتها، إلى أن وقعت الضفة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفي العام 1968، صدر أمر عسكري إسرائيلي يحمل رقم 291، وتم بموجبه تعطيل كل أعمال التسوية في فلسطين.
هذا التعطيل استمر حتى اليوم في المناطق المصنفة (ج) لكونها بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية بموجب اتفاقيات أوسلو، فيما توقف هذا التعطيل عام 1994 في المناطق المصنفة (أ) و(ب) الخاضعة للسيطرة الفلسطينية، حيث بدأت السلطة الوطنية الفلسطينية مشروعا لأعمال التسوية بالتعاون مع البنك الدولي في مناطق تجريبية قبل اكثر من عشرة سنوات من إنشاء هيئة تسوية الأراضي والمياه الفلسطينية التي تأسست بموجب القرار بقانون رقم (7 لعام 2016) بهدف تنفيذ أعمال التسوية لجميع الأراضي الفلسطينية بما فيها تلك المصنفة (ج).
وبالعودة إلى قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي موضوع حديثنا، فإن هذا القرار يشكل انعكاسا واضحا للمبادئ التوجيهية والخطوط العريضة للحكومة الـ37 برئاسة بنيامين نتنياهو (كانون الأول/ ديسمبر 2022)، التي تقول أن “للجمهور اليهودي حقا حصريا لا جدال فيه في جميع مناطق أرض إسرائيل”، أي الأراضي التي تشمل الضفة الفلسطينية المحتلة.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022 قام وزير المالية بتسلئيل سموتريتش باعلان خطته لتقويض صلاحيات “الإدارة المدنية” بما يعني أن جيش الاحتلال لم يعد المسؤول المباشر عن الأمور الحياتية اليومية بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ونقل صلاحيات تقديم الخدمات بمختلف المجالات إلى مختلف الوزارات بالحكومة الإسرائيلية، وهو ما يعني تطبيق القانون الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة تلك المصنفة (ج – “C”).
وفي التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير 2025 صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يجيز لليهودي وبشكل فردي شراء وتملك العقارات والأراضي في الضفة الفلسطينية، ويأتي هذا القانون تعديلا للحالة القانونية القائمة منذ العام 1971 التي تسمح لليهود ولكن فقط من خلال شركة أو جمعية مسجلة لدى الإدارة المدنية التابعة لوزارة الجيش الإسرائيلية بشراء وتملك العقارات والأراضي في الضفة الغربية، فيما مشروع القانون هذا يسمح أيضا للأفراد اليهود بشراء الأراضي بشكل مباشر ويمهد الطريق أكثر لصفقات عقارية مشبوهة وقابلة للتزوير.
يستهدف القرار الإسرائيلي ما يزيد على 61% من أراضي الضفة الفلسطينية، وهي تلك المصنفة (ج)، وهو ما يؤكد بشكل جلي أن قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي الأخير يرمي بشكل واضح إلى ترسيخ السيطرة الاستعمارية الإسرائيلية في الضفة الغربية، في خطوة تمثل وسيلة لنهب أراضي وموارد الفلسطينيين وطمس حقوقهم التاريخية، ومنع المواطنين الفلسطينيين من استخدام أو تسجيل أراضيهم، وصولا إلى التطهير العرقي للفلسطينيين ضمن خطط حكومة اليمين المتطرفة وخطة سموتريتش لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية تمهيدا لعملية الضم بشكل فعلي للسيطرة الإسرائيلية، بما يؤدي أخيرا إلى تقويض حل الدولتين، ومنع قيام دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقويض فرص تحقيق السلام.