في ظل هوس الكثيرين بالشهرة وتحقيق أرباح طائلة عن طريق زيادة المشاهدات والمتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يلجأ بعض الناس إلى أساليب غير شرعية لا يدركون تبعاتها القانونية إلا لاحقاً.
ومن الحالات المنتشرة، أشخاص يصوّرون مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يوزّعون أموالاً، أو يضعون أمامهم ملايين من الأوراق النقدية (من الدولار أو اليورو)، بهدف إثارة اهتمام متابعيهم، وترسيخ صورة ذهنية بأنهم حققوا ثراء واسعاً من خلال ما يقدّمونه.
ومن خلال التحقيق في الصور أو الفيديوهات يتبيّن أنهم مليونيرات بالكذب، وأن الثروة الضخمة التي يغرون بها متابعيهم، مجرد عملات يتم تزييفها غالباً بطريقة رديئة.
وحين يمثل هؤلاء أمام القضاء، سواء بتهم تزييف أو تزوير عملة أو ترويجها، يدفعون بأن هذه الفيديوهات غير حقيقية، أو تم التلاعب بها بشكل أو بآخر، أو أنهم لم يقصدوا استعمال تلك العملة.
وهنا يثار تساؤل مهم بشأن محتوى «السوشيال ميديا» الذي تستند إليه المحكمة في الإثبات الجنائي، سواء كان صورة أو فيديو أو نصاً كتبه أحدهم على حسابه وتضمن إساءة أو سباً أو قذفاً أو تشهيراً، وما إذا كان ذلك يعد دليلاً أو قرينة.
بداية يجب أن نعرف أن القاضي لا يتقيد أصلاً في المحاكمات الجزائية بدليل معين، إلا إذا نص القانون على ذلك في جريمة ما، لكنه يبني عقيدته وفق ما يطمئن إليه، سواء كان دليلاً أو قرينة، طالما كان ثابتاً في أوراق الدعوى.
والدليل الجنائي هو وسيلة الإثبات المباشرة، أما القرينة فهي وسيلة إثبات غير مباشرة تُستنبط من وقائع الدعوى وملابساتها، وتنقسم إلى قرائن قطعية كافية للقضاء بموجبها، أو غير قطعية تكون مرجحة متى ما اكتملت شروطها، ولم يُثبت مَن استُخدمت في مواجهته عكسها، كما أن هناك قرينة ضعيفة لا يستدل بها.
وفي ظل أن القانون لم يقيد القاضي الجزائي بدليل معين، فإن ما يستخرج من محتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يخضع مثل غيره لقواعد الإثبات الجنائية، لكن يوجب القانون – في حال إنكار المتهم – ضرورة التأكد من صحة الدليل أو القرينة، عبر الجهات ذات الاختصاص، مثل إدارة الأدلة الإلكترونية التي تلعب دوراً بارزاً في ترجيح الإدانة أو البراءة في هذه القضايا.
محكم ومستشار قانوني
عن الامارات اليوم