أزمة الجزائر والجامعة العربية: صراع الأدوار وتداعيات التهميش في ظل تحولات المشهد العربي

بن معمر الحاج عيسى

في خضم تحولات جيوسياسية تعصف بالمنطقة العربية، أثارت كلمة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف جدلًا واسعًا، كاشفةً عن توترات خفية بين الجزائر ودول عربية كبرى مثل مصر والسعودية والإمارات . هذه التوترات بلغت ذروتها بمقاطعة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لقمة عربية مؤخرًا، مُرسلًا رسالةً واضحةً برفض سياسة “التقزيم” التي يتهم بها تلك الدول. فهل وصلت العلاقات العربية إلى مفترق طرق؟ وهل حان الوقت لمراجعة دور الجزائر في جامعة عربية يُنتقد عجزها عن تمثيل طموحات الشعوب؟أصبحت تسير بالوكالة

*خلفية الصراع: الجزائر ودورها التاريخي في المشهد العربي*
لعبت الجزائر تاريخيًا دورًا محوريًا في القضايا العربية، من دعم حركات التحرر إلى تبني مواقف صلبة تجاه القضية الفلسطينية وقضايا السيادة. لكن المشهد الحالي يشهد تحولًا دراماتيكيًا مع صعود تحالفات جديدة تقودها دول خليجية، تتبنى نهجًا براغماتيًا يتقاطع مع سياسات غربية، خاصة في التطبيع مع إسرائيل وتعزيز العلاقات الأمنية مع واشنطن وأوروبا. هنا، تبرز الجزائر كصوت معارض، متمسكة بخطاب مقاوم يُعتبر إرثًا من حقبة “دول الممانعة” التي تراجعت بعد الربيع العربي.

*كلمة عطاف: تشريح لأزمة الثقة*
في خطابه، حمّل عطاف دولًا عربية مسؤولية محاولة تهميش الجزائر في صناعة القرار العربي، مشيرًا إلى أن “مصالح خارجية” تُدار عبر بعض العواصم العربية. وأكد أن الجزائر لن تكون “طرفًا في مسرحيات تُدار من خلف الكواليس”، في إشارة إلى سياسات التطبيع والتحالفات التي تُضعف الموقف العربي في قضايا مثل فلسطين وليبيا. كما انتقد عطاف “الازدواجية” في تعامل الجامعة العربية مع الأزمات، مُشيرًا إلى غياب الإرادة السياسية لمواجهة التدخلات الخارجية.التي أصبحت لها على موطأ قدم في الدولة العربية…وهذا مما شأنه يؤثر على القرارات العربية وحدة الصف العربي الوقوف في وجه محاولات رسم خريطة سياسية وجغرافية وفق توازنات تهدف إلى فرض سياسة التقسيم والتهجير…ولو على مصير الشعوب العربية

*مقاطعة القمة: رسالة جزائرية بلا مواربة*
جاءت مقاطعة الرئيس الجزائري تبون لقمة إقليمية (يُفترض أنها قمة جامعة الدول العربية أو قمة طارئة) كرد فعل على استبعاد الجزائر من نقاشات محورية، وفقًا لمصادر دبلوماسية. وتشير تقارير إلى أن مصر والسعودية والإمارات  عملت على تحجيم مقترحات جزائرية تدعو إلى مواقف أكثر صلابة تجاه التدخلات في ليبيا والعمل على الوحدة الترابية لدول العربيةودعم قضية فلسطين، التي تعتبر هل الجزائر قضية وجود وليس مجرد قضية حدود… موقف الجزائر الداعم لأي أجندة تركز على الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي مع الغرب.دون المساس بثوابت والقيم التي أسست عليها الجامعة العربية

*الجامعة العربية: منظمة أم “واجهة” لتكتلات متنافسة؟*
تتحول الجامعة العربية تدريجيًا إلى ساحة لتصفية الحسابات بين محورين: الأول تقوده دول خليجية تسعى للاندماج في النظام الدولي الجديد عبر شراكات استراتيجية مع الغرب، والثاني تتمسك به الجزائر وبقايا دول الممانعة، رافضةً “الاستسلام للهيمنة الخارجية”. وقد تجلى هذا الانقسام في قرارات مثيرة للجدل، مثل التطبيع مع إسرائيل دون ضمانات لحقوق الفلسطينيين، أو التعامل الانتقائي مع أزمات مثل الحرب في اليمن والأزمة السورية. وتنامي النفوذ التركي والإيراني في بعض الدول العربية….

*التأثير الغربي: هل فقدت الجامعة العربية سيادتها؟*
باتت قرارات الجامعة العربية تُقرأ عبر منظار الضغوط الأمريكية-الأوروبية. فالاتفاقات الأمنية والعسكرية الضخمة بين دول خليجية والغرب، مثل صفقةالسلاح السعوديةوالأمريكية أو اتفاقيات أبراهام، تحت مسمى وحدة الأديان التي تحاول بعض الأطراف السياسية وحتى الفكرية تسويقها من أن تخلق واقعًا جديدًا قد يهدد حتى السلم المجتمعي وإنسلاخ المواطن العربي عن هوية العربية الإسلامية
هذاالتُهمَّش في قضايا كانت مركزية مثل فلسطين. بل إن بعض القرارات، نراها لا ترقى إلى مستوى تطلعات الشعوب العربية
الخطابات الإعلامية كإدانة التدخلات في شؤون دول عربية، أصبحت مجرد ظواهر وإسطوانات صوتية لا تتماشى مع الواقع المعاش …لاسيما عندما يتعلق الأمر بوجود عسكري غربي مكثف في المنطقة. يجعل منها بؤرة توترات لقوى تتصارع من أجل النفوذ…..صراع المصالح

*سقوط دول الممانعة: فراغ أم فرصة؟*
مع تراجع دور سوريا والعراق واليمن و السودان وليبيا، وتزداد الهيمنة الخليجية-المصرية على المشهد العربي. الذي أصبح تلعب دورا هاما في فرض أجندة غربية ..يغذيها المال في الأساس تبقى الجزائر، المدعومة بثقلها الاقتصادي والعسكري (كأكبر دولة أفريقية عربية مساحةً وأكبر اقتصاد في المغرب العربي)، تحاول ملء هذا الفراغ عبر تعزيز تحالفات مع دول مثل تونس والعراق وتبني خطاب مناهض للتطبيع، ما يضعها في مواجهة مباشرة مع التوجهات السائدة.

*الشارع العربي: بين الخطاب الرسمي وغياب التمثيل*
رغم انتقادات النخب العربية للجامعة، تظهر استطلاعات رأي أن جزءًا كبيرًا من الرأي العام العربي لا يزال يؤيد دورًا أكثر فاعلية للجزائر في الدفاع عن القضايا المشتركة. فالقمع الإسرائيلي في فلسطين، والأزمات الاقتصادية، وتدخلات الخارج، تدفع الكثيرين إلى التشكيك في جدوى الجامعة التي يُنظر إليها كـ”نادٍ للزعماء” بعيدًا عن هموم المواطن.

*خيار التجميد: مخاطره وآفاقه*
يدعو بعض المحللين الجزائريين إلى “هز ضمير الجامعة” عبر تعليق العضوية، كرسالة احتجاج على تحولها إلى أداة في يد القوى المهيمنة. لكن آخرين يحذرون من أن العزلة قد تُفقد الجزائر آخر منابرها الإقليمية، وتُعمق الانقسامات. بينما يقترح مراقبون إصلاحًا جذريًا للجامعة، عبر تفعيل مبدأ التصويت المرجح وحماية القرار العربي من التدخلات.

*الخاتمة: هل تنجح الجزائر في إعادة البوصلة؟*
الأزمة الحالية ليست مجرد خلاف دبلوماسي عابر، بل تعكس تحولًا عميقًا في موازين القوى العربية. الجزائر، برفضها الانصياع للأجندات الخارجية، تقدم نفسها كحامية لخطاب المقاومة، لكنها تواجه تحديًا مزدوجًا: إقناع الشركاء العرب بجدوى هذا الخطاب في عالم تتشابك فيه المصالح، وموازنة ذلك مع حتميات التعايش الإقليمي. السؤال الأكبر: هل تستطيع الجامعة العربيةالتي تعيش موتا سريريا استيعاب هذه التناقضات قبل أن تتحول إلى ذكرى من زمن آخر؟

تابعنا عبر: