مع تراجع الحديث عن هدنة غزة وإمكانية إحياء المفاوضات مجدداً، وإصرار إسرائيل على المضي قدماً في الحرب، تبرز تساؤلات كثيرة حول مآلات كل منهما، وما إذا كان تقدم أي منهما على الآخر سيضع نهاية لهذه الحرب المأساوية التي يدفع ثمنها أهل غزة أولاً، لكنها تحولت إلى عبء على كاهل المنطقة برمتها.
من حيث المبدأ، ثمة جهود تبذل لإعادة إحياء مفاوضات الهدنة، وإن كانت هذه الجهود بطيئة، لأسباب كثيرة، من بينها عدم رغبة الجانب الإسرائيلي في إنهاء الحرب، والدفع نحو عرقلة وإفشال أي محاولات للتوصل إلى اتفاق، ومن بينها أيضاً التشكيك في الوسطاء ومطالبتهم بالانحياز لهذا الطرف أو ذاك، ما يعني تجريدهم من صفة «الحيادية» التي ينبغي للوسيط التحلي بها.
لكن في المقابل، ثمة عوامل أخرى موضوعية تحتم استمرار الوساطة، منها الضغوط الدولية الساعية لإنهاء هذه الحرب والرغبة الأمريكية في إزالة العقبات التي تعترض مشروعها السياسي في المنطقة. ومنها أيضاً أن إطلاق الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة تم من خلال مفاوضات الهدنة وليس عبر الضغوط العسكرية كما يدعي الجانب الإسرائيلي. وبالتالي، لا يبدو أن القرار الإسرائيلي بتوسيع الحرب، بعد 18 شهراً على بدئها، سواء كان لأسباب شخصية أو سياسية، أو لتوظيفه كعامل ضغط، مضموناً لتحقيق ما يسمى «النصر المطلق» من خلال الحسم العسكري وبما يشمل تحقيق الأهداف القديمة الجديدة بإطلاق الرهائن والقضاء على حماس والمقاتلين الفلسطينيين الآخرين. وهما هدفان متناقضان كما يقول رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، ناهيك عن الخلافات القائمة بين القيادتين السياسية والعسكرية، والانقسام المجتمعي الإسرائيلي حول جدوى استمرار الحرب، والأهم هو التداعيات الناجمة عن استدعاء عشرات الآلاف من عناصر الاحتياط، ورفض أعداد كبيرة من هؤلاء الامتثال للخدمة العسكرية. وهي مسألة بدأت تثير أزمة عاصفة وغير مسبوقة في الداخل الإسرائيلي، خشية أن تؤدي في النهاية إلى إضعاف الجيش الإسرائيلي، وسط مخاوف من أن يؤدي احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه إلى الجنوب، وفق الخطة الموضوعة، إلى خسارة الرهائن، من جهة، ودفع الجيش الإسرائيلي ثمناً باهظاً من دون تحقيق الأهداف المرسومة، كما حدث في وقت سابق في «خطة الجنرالات» وغيرها.
وبهذا المعنى فإن احتلال قطاع غزة قد يكون أشبه بالمغامرة غير المحسوبة تماماً، وقد يؤدي أي فشل من هذا القبيل إلى ارتدادات هائلة على الداخل الإسرائيلي برمته.
وسط كل هذه المتناقضات، يبدو أن خياري مفاوضات الهدنة التي تجري وراء الكواليس، والحرب الشاملة التي قررتها إسرائيل مؤخراً على غزة، لكنها تركت الباب موارباً أمام إمكانية التوصل إلى صفقة بشروطها، قد دخلا في سباق مع الزمن بانتظار ما ستسفر عنه جولة ترامب المرتقبة في المنطقة، وما إذا كانت ستحمل معها صفقة شاملة، أم أن الكلمة الأخيرة ستكون للميدان وما يترتب عليه من تداعيات خطرة على كل الأطراف.
الخليج الاماراتية