السياسي – أثار قرار الحكومة الألمانية رفض مبادرة إنسانية أطلقتها عدة مدن كبرى لاستقبال أطفال جرحى من قطاع غزة موجة استياء في الأوساط المحلية والسياسية، وسط اتهامات لبرلين بالتقاعس عن أداء واجبها الإنساني تجاه ضحايا الحرب.
فبعد أشهر من التحضيرات، أعلنت مدينة هانوفر أن مشروعها لاستضافة أطفال مرضى ومصابين من غزة وإسرائيل قد فشل بسبب معارضة الحكومة الفدرالية. وقال رئيس بلدية هانوفر، بليت أوناي، إن قرار وزارة الداخلية كان «مخيباً للآمال وغير مفهوم»، مضيفاً: «المدن الألمانية أظهرت استعداداً صادقاً لتقديم العلاج والرعاية للأطفال الأبرياء الذين يعانون من جراح الحرب، لكننا واجهنا جداراً من البيروقراطية والرفض»، بحسب ما نشرت مجلة دير شبيغل الألمانية.
وفي تصريح مماثل، وصف شتيفان كراخ، رئيس إقليم هانوفر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الموقف الحكومي بأنه «قاسٍ وغير إنساني». وأوضح أن «أكثر من 16 ألف شخص في غزة يحتاجون للعلاج في الخارج، وحرمان الأطفال من هذه الفرصة هو تصرف لا يمكن تبريره».
تبريرات رسمية ورفض شعبي
بررت وزارة الداخلية الألمانية قرارها في رسالة رسمية بالقول إن الأوضاع في غزة ما زالت «غير مستقرة وغير قابلة للتنبؤ»، مشيرة إلى أن خروج الأطفال للعلاج يتطلب «إجراءات معقدة لتحديد الهوية، وضمان أمن المرافقين، وتحديد تكاليف العلاج وإمكانية العودة».
وجاء في نص الرسالة: «نحن نتشارك الرغبة في مساعدة المدنيين في غزة، وخاصة الأطفال، لكننا نرى أن تقديم الدعم الطبي داخل المنطقة هو الخيار الأنسب في الوقت الراهن».
غير أن هذا التبرير لم يُقنع العديد من المسؤولين المحليين، الذين أكدوا أن المدن كانت مستعدة بالكامل لاستقبال الأطفال وتأمين العلاج لهم في المستشفيات الألمانية المتخصصة، دون تحميل الحكومة تكاليف إضافية.
وكانت مدينة هانوفر قد أطلقت في يوليو الماضي مبادرة لاستقبال نحو 20 طفلاً مصاباً من غزة لتلقي العلاج في ألمانيا، بدعم من ممثلين عن الجاليتين الفلسطينية واليهودية في المدينة. وسرعان ما انضمت إلى المبادرة مدن كبرى مثل بريمن، دوسلدورف، لايبزيغ، بون، فرانكفورت وكيل، إضافة إلى دعم من الكنائس الإنجيلية في ولاية سكسونيا السفلى.
وقال أوناي إن المدن المشاركة «أعدت كل الترتيبات اللازمة لاستقبال الأطفال، من فرق طبية متخصصة إلى مراكز تأهيل نفسي»، مضيفاً: «القرار الفدرالي يعني ببساطة حرمان هؤلاء الأطفال من فرصة النجاة والحياة الكريمة».
دعوات لمراجعة القرار
في ظل الانتقادات المتصاعدة، دعا أوناي الحكومة إلى «إعادة النظر في موقفها وفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية»، مؤكداً أن المبادرة لم تكن سياسية، بل «صرخة إنسانية لإنقاذ حياة الأطفال».
وأشار إلى أن الحرب تركت آلاف الأطفال في غزة بين جرحى ومصابين بإعاقات دائمة، وأن منع علاجهم في الخارج لا يمكن تفسيره إلا بـ«الجمود البيروقراطي وانعدام الحس الإنساني».
من جهته، شدد كراخ على أن ألمانيا تمتلك قدرات طبية متقدمة يمكنها «أن تعيد الأمل إلى أجساد صغيرة أرهقتها الحرب»، محذراً من أن «السكوت عن المأساة يعني المشاركة في استمرارها».
ويأتي هذا الجدل في وقت تتزايد فيه الانتقادات داخل ألمانيا للسياسة الحكومية تجاه غزة، وخصوصاً مع اتساع الفجوة بين المواقف المحلية المتعاطفة مع المدنيين، والموقف الفدرالي المتحفظ على تقديم أي دعم مباشر للقطاع.
ويرى مراقبون أن فشل المبادرة لا يعكس فقط تعقيدات المشهد البيروقراطي، بل أيضاً «الخوف السياسي» من أن يُفهم دعم الجرحى الفلسطينيين كتحيز في صراع الشرق الأوسط، وهو ما يجعل الحكومة مترددة في اتخاذ خطوات إنسانية جريئة.