تعكس الحركة الامنية والسياسية الالمانية، تجاه الحرب الجارية بين “حزب الله” واسرائيل، الانسجام الاوروبي مع الاستراتيجية الاميركية عموما، وفي الشرق الاوسط على وجه الخصوص.
وكان نائب مدير الاستخبارات الخارجية الألمانية أولي ديال، قام بزيارة إلى بيروت قبل اسبوعين، ليجتمع مع نائب الأمين العام ل”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، في خطوة عكست استكمال المشاورات حول التصور المزمع اقراره بشأن الاتفاق، حول سبل تنفيذ القرار ١٧٠١، ضمن اطار المهمة التي يقودها الموفد الأميركي آموس هوكستين على هذا الصعيد.
والمانيا التي ادرجت، قبل سنوات، “حزب الله” بكافة فروعه على لائحة الارهاب، كانت اول من تبنى مشروع اسرائيل تهجير اهالي غزة نحو سيناء، من خلال الزيارة التي قام بها المستشار الالماني اولاف شولتز الى القاهرة، اثر “طوفان الأقصى”، وحاول اقناع القيادة المصرية، بفتح الحدود امام الفلسطينيين باتجاه مصر.
الاعلان عن التحرك الالماني تجاه “حزب الله”، وعبر وسائل اعلامية لصيقة بالحزب، جاء غداة مواقف ايرانية واميركية، تعكس مستوى عال من التطمينات والتنازلات، التي تحدّ من التهديدات لإسرائيل، لا سيما في اشارة مستشار المرشد علي خامنئي، كمال خرازي، بأن “ايران غير معنية بحرب اقليمية هي ليست من مصلحة احد”، وموقف قيادة “الحرس الثوري” الذي اشار الى ان “الحرس الثوري مقيّد تجاه خوض حرب على اسرائيل”، وهو موقف جاء في اعقاب تهديد سابق، بتحريك الاذرع الايرانية في العراق وسوريا واليمن، لدعم “حزب الله”، في حال توسعت الحرب ضده من قبل اسرائيل.
في المقابل، أكد البنتاغون ان واشنطن، ليست في وارد التدخل في تعديل موازين القوى داخل اليمن. كل ذلك يأتي في سياق لجم الحرب الاقليمية، والاستعداد للنزول من اعلى الشجرة، من قبل ايران اولاً، ولاحقا من قبل “حزب الله”، بعدما جرى تعزيز عملية الفصل بين لبنان وغزة، بالاضافة الى محاولة ايران تعزيز موقع الادارة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية، منعا لوصول المرشح الرئاسي دونالد ترامب الى البيت الابيض، من خلال تبريد الجبهات، ومحاولة الوصول الى اتفاقيات في اكثر من ملف اقليمي، ولبنان في صلبها.
واذا كان “حزب الله” يربط بين وقف الحرب في غزة ووقفها في لبنان، فان الوصول الى اتفاق لن يكون منعدماً بين لبنان واسرائيل، طالما ان القدرة على تفسير المواقف متاحة، كما كان الحال في مقولة “وحدة الساحات”، التي امكن ادراجها في سياق تقدير كل طرف مصلحته في اعتمادها، وكان المثال السوري شاهداً على تفسير “وحدة الساحات”، بما يتناسب مع تقديره، وهو التقدير الذي سمح له، بتسريح عشرات الالاف من الجنود الاحتياط، والتزامه بعدم فتح جبهة الجولان.
التطمينات الايرانية غير المباشرة لاسرائيل، يجب ان تدفع اسرائيل بنظر الاميركيين الى عدم الانجرار الى حرب اقليمية، مع اطلاق يدها ضمنيا وباقرار ايراني عملي، باستمرار حملتها التهويدية على الاراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، خاصة ان ايران لم توجه اي تهديد لاسرائيل بشأن ارتكاباتها ضد الفلسطينيين، او “حركة حماس”، بل اقتصر تهديد ايران من خلال مستشار خامنئي خرازي، على تحذيرها من التصعيد ضد “حزب الله” مع تأكيده على ان ايران، لا مصلحة لها من توسعة الحرب ولا تريدها.
باختصار فان كل صراخ الحرب على الجبهة الجنوبية-الاسرائيلية، مجرد “بروباغندا” اعلامية، وطالما ان هناك التزام من قبل الطرفين بضوابط عدم التصعيد، فهذا ما فتح الباب امام التحرك الالماني، للوصول الى تفاهم لايزال في بدايته، تعززه رغبة مشتركة لدى ايران واسرائيل، بعدم التصعيد في لبنان.
ولعل توصيف دبلوماسي اوروبي الواقع القائم بين “حزب الله” واسرائيل، يعطي خلاصة واضحة لمسار الأمور بقوله، “نحن ما دون الاتفاق، ولكن ليس على سكة الانفجار”.