أمة مارقة: كيف تقوض الولايات المتحدة النظام الدولي؟

أحمد شهاب

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ساد الاعتقاد بضرورة تأسيس نظام دولي جديد تحكمه قواعد ومبادئ متفق عليها، مثل القانون الدولي وحقوق الإنسان، والمساواة في السيادة، وحل النزاعات سلميًا، بهدف منع تكرار الفظائع التي شهدها العالم.

وبرز القانون الدولي كأداة أساسية لتنظيم العلاقات بين الدول، وتعزيز التعاون والسلام. ولم يكن مجرد حلم رومانسي، وانما عبر عن حاجة ماسة لاداة فاعلة تبرد الصراعات وتخفف حدّة العنف في العالم.

ومع ذلك، يواجه هذا النظام تحدياتٍ جمة، أهمها غياب آليات إنفاذ قوية لضمان احترام القواعد الدولية. ففي كثير من الأحيان تُخالف الدول القوية تلك القواعد دون عواقب تُذكر، ممّا يُضعف من مصداقية النظام بأكمله.

وربما ابرز مثال على هشاشة القواعد الدولية هو الموقف الأميركي المساند للإبادة الانسانية في غزة، ودعمه وتبريره للانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة منذ ما يقارب العام، وهو ما يسلط الضوء على عدد من التحديات التي تواجه القانون الدولي:

1- ازدواجية المعايير: ويتمثل في انتهاك الدول الكبرى وتحديدا الولايات المتحدة للأعراف والقوانين المنظمة، والتزامها معايير مزدوجة في تعاملها مع القضايا الدولية.

2- غياب آليات إنفاذ قوية: لا يملك القانون الدولي آليات إنفاذ قوية لضمان احترام الدول لقواعده. ففي حال خرق دولة ما للقانون الدولي، لا توجد جهة دولية ذات سلطة كافية لفرض عقوبات عليها.

3- إضعاف الثقة في النظام الدولي: إذا كانت القوة العظمى تُظهر عدم احترامها للقانون الدولي، فإنّ ذلك يُهدّد بانهيار منظومة القواعد والأعراف التي تحكم العلاقات الدولية.

4- تشجيع الإفلات من العقاب: إذا لم تُحاسب الدول الكبرى على جرائمها، فإنّ ذلك يُرسّل رسالة مفادها أنّ القوانين الدولية لا تُطبّق على الجميع بشكل متساوٍ، بما يسقط من قيمتها.

ويُشكّل رفض الولايات المتحدة للقوانين التي لا تتناسب معها، واخرها رفض قرارات المحكمة الجنائية الدولية بشأن توجيه الاتهام لعدد من الشخصيات الاسرائيلية، تحدّيًا مباشرًا لشرعية القواعد الدولية وفعاليتها.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد صرح انه سيعمل مع المشرعين الأميركيين لبحث إمكانية فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن كشف المدعي العام للمحكمة كريم خان أنه يسعى لإصدار أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبار.

تثير هذه التناقضات تساؤلات حول مدى اتّساق مواقف الدول الكبرى مع القوانين الدولية، وما هي الرسالة التي تُرسلها للفاعلين الدوليين الآخرين. فإذا كانت الدول الأقوى في العالم تُظهر نزقها على القانون، فما الحافز إذًا أمام الدول الأخرى للاحترام والتقيّد بنفس القوانين؟

لكن على الرغم من التحديات التي تواجهه، يظلّ النظام الدولي أفضل خيار لضمان مستقبلٍ سلميّ في العالم. لكن لا يمكن الحفاظ على هذا النظام دون إصلاحات جوهرية تشمل تجديد هياكل صنع القرار، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وضمان تمثيل عادل لجميع الدول.

ولذا، يقع على عاتق الدول العربية مسؤولية المشاركة الفاعلة في تطوير القواعد الدولية من خلال الانخراط النشط في المفاوضات الدولية، وتعزيز التعاون الدولي، ودعم بناء قدرات الدول النامية، وذلك لضمان تطبيق القواعد بشكل عادل وشامل.

ولا بدّ لدول المنطقة أن تدرك المخاطر الجسيمة التي تُهددها في حال اندلاع حرب عالمية ثالثة نتيجةً للانتهاكات المتكررة للقانون الدولي. إنّ صمت بعض الدول وتواطؤها مع السياسات الاميركية يُشجّع على المزيد من الانتهاكات ويُهدّد الأمن والسلم الدوليين.

إذ لم تعد اميركا تُمثّل الصرح الامني في الشرق الأوسط، ولم تعد حمامة السلام تحلّق في سماء واشنطن. وفقد تمثال الحرية في نيويورك بريقه، ولم يعد بإمكان العالم تحمّل سياسة الحياد السلبي تجاه ازهاق أرواح الأبرياء في غزة أو تجاه الأزمات العالمية المتزايدة.

شاهد أيضاً