السياسي – لن تشير التوقعات إلى أن بيانات التضخم المنتظرة خلال أيام ستزيد من تعقيد المشهد. فمن المرتقب أن يسجّل المؤشر المفضل للفيدرالي، “مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي” (Core PCE)، ارتفاعاً بنسبة 2.9% في يوليو/تموز على أساس سنوي، وهو أسرع وتيرة منذ خمسة أشهر. وعلى أساس شهري، يُتوقع أن يرتفع المؤشر بنسبة 0.3% للشهر الثاني على التوالي.
ووفقا لتقرير وكالة بلومبرغ، فإن المؤشر، الذي يستثني مكوني الغذاء والطاقة، يُعد المرجع الأساسي للفيدرالي عند اتخاذ قرارات السياسة النقدية، ويعكس الضغوط السعرية في الاقتصاد بشكل أدق من مؤشر أسعار المستهلكين التقليدي.
وإذا تأكدت هذه التوقعات، فسيشكل ذلك تحدياً جديداً أمام مسؤولي الفيدرالي الذين يتعاملون مع إشارات متزايدة على ضعف سوق العمل، في وقت لم يصل فيه التضخم بعد إلى هدف الـ2% الذي حدده البنك المركزي.
وفي كلمته التي ألقاها الجمعة الماضية خلال المؤتمر السنوي للفيدرالي في جاكسون هول، بولاية وايومنغ، أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى أن مخاطر التباطؤ في سوق العمل قد بدأت تزداد، رغم استمرار المخاوف من التضخم.
وأضاف باول: “بدأنا نرى تأثيرات ارتفاع الرسوم الجمركية على الأسعار بشكل واضح، لكن من المعقول توقع أن يكون هذا التأثير مؤقتاً”. وأضاف أن “المخاطر على سوق العمل تتزايد”، في إشارة إلى إمكانية تعديل السياسة النقدية حتى لو لم ينخفض التضخم بشكل كامل.
وبعد هذه التصريحات، زادت رهانات المستثمرين على خفض محتمل لأسعار الفائدة في اجتماع الفيدرالي المقرر في سبتمبر/أيلول، خاصة مع الإشارات المتزايدة على تباطؤ النمو وتراجع مؤشرات سوق العمل.
لكن الطريق إلى اتخاذ هذا القرار ليس ممهداً، إذ تشير توقعات “بلومبرغ إيكونوميكس” إلى أن بيانات التضخم المقبلة قد لا تكون في صالح هذا السيناريو.
وقال محللو بلومبرغ، ومن بينهم آنا وونغ وستيوارت بول، إنهم يتوقعون “أعلى قراءة للتضخم منذ فبراير/شباط”، مضيفين: “إذا كانت الأنشطة الاقتصادية تزداد زخماً، فقد تتمكن الشركات من تمرير المزيد من تكاليف الرسوم الجمركية إلى المستهلكين، مما يزيد من احتمال أن بيانات مؤشر الأسعار ومعدل التوظيف لشهر أغسطس/آب قد لا تدعم قرار خفض الفائدة”.
وسيكون هذا الأسبوع حاسماً في ما يتعلق بتوجهات السياسة النقدية، إذ من المقرر أن يُدلي عدد من كبار مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بتصريحات علنية، ستراقبها الأسواق عن كثب بحثاً عن أي إشارات إضافية بشأن قرار سبتمبر/أيلول.
ومن بين المتحدثين المنتظرين: عضو مجلس المحافظين كريستوفر والر، ورؤساء البنوك الإقليمية جون ويليامز (نيويورك)، ولوري لوغان (دالاس)، وتوم باركين (ريتشموند). وستُحلل تعليقاتهم بعناية لفهم مدى استعداد الفيدرالي لاتخاذ خطوة خفض الفائدة وسط هذه الظروف المعقدة.
من جهة أخرى، يُتوقع أن تُظهر بيانات الجمعة أكبر زيادة في إنفاق الأسر الأمريكية على السلع والخدمات منذ مارس، مما يعكس استمرار مرونة المستهلك الأمريكي، وهو ما قد يُفسَّر كمؤشر على قوة الطلب الداخلي.
وسيتابع الاقتصاديون أيضاً بيانات الدخل الشخصي، والتي تعد مؤشراً مهماً لقدرة المستهلكين على الاستمرار في دعم الاقتصاد عبر الإنفاق، خاصة في ظل الضغوط التضخمية وارتفاع معدلات الفائدة.
الناتج المحلي قيد المراجعة
وقبل صدور بيانات التضخم والإنفاق، ستنشر وزارة التجارة الأمريكية بيانات محدثة للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من 2025. وتشير التوقعات إلى أن بيانات الاستهلاك الشخصي ضمن التقرير ستُظهر تسارعاً معتدلاً، بعد بداية بطيئة في العام.
وتعد هذه البيانات مجتمعة عوامل مؤثرة ستدخل في حسابات الفيدرالي قبل اجتماع سبتمبر/أيلول، إذ ستحدد ما إذا كان الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو “هبوط ناعم”، حيث يتباطأ النمو دون الدخول في ركود، أو ما إذا كانت الضغوط على سوق العمل والتضخم تفرض على الفيدرالي التحرك بشكل عاجل.
والتحدي الأكبر الذي يواجهه باول وزملاؤه الآن هو الموازنة بين مسارين محفوفين بالمخاطر: خفض الفائدة في وقت لا يزال فيه التضخم نشطاً، مما قد يؤدي إلى اشتعال الأسعار مجدداً، أو الإبقاء على السياسات التشددية لفترة أطول مما ينبغي، وهو ما قد يفاقم من تباطؤ سوق العمل ويؤدي إلى ركود اقتصادي حاد.
في النهاية، ستحدد بيانات أغسطس/آب، وعلى رأسها تقرير الوظائف ومؤشر أسعار المستهلكين، المسار الذي سيسلكه الفيدرالي في اجتماعه المقبل، في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في سياسته النقدية منذ سنوات.