هل الولايات المتّحدة الأميركيّة على موعدٍ مع حدثٍ مهمٍّ، يمكن أن يُميط اللثام عن واحدةٍ من أهمِّ وأخطرِ القضايا المعاصرة، التي لا تزال طَيَّ الكتمان؟
غالب الظنّ أنّ ذلك كذلك، ففي الحادي والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، سوف يخرج إلى النور عبر دور السينما الأميركيّة، ومن خلال شبكات التلفزة الخاصّة مثل نتفليكس وغيرها، فيلمٌ وثائقيٌّ يحمل عنوان The age of disclosure أو عصر الإفصاح، والذي يهدف إلى توثيق أسرار تربو على ثمانية عقود، تتناول قصة الأميركيّين مع الفضائيّين وسكان الكواكب الأخرى، وقضيّة إخفاء معلومات عن وجود كائنات غير بشريّة، ربّما تعيش بيننا، عطفًا على وجود برامج سرّيّة تعكس هندسة التكنولوجيا ذات الأصل غير البشريّ، واستلهام علومهم وما برعوا فيه من تكنولوجيا.
لا يبدو هذا الفيلم نوعًا من الشعوذات، بهدف تحقيق الأرباح، ذلك أن المتحدّثين من خلاله يتجاوزون الثلاثين شخصيّة، من الأوزان الثقيلة، أعضاء في إدارة أميركيّة سابقة، دبلوماسيّين، رجالات استخبارات، علماء، باحثين ومُفَكِّرين، ما يجعل منه بالفعل مثارًا للأحاديث الماروائيّة.
يَعِنُّ لنا قبل الإقدام على تحليل ماورائيّات هذا العمل التساؤل عن تاريخ علاقة الولايات المتحدة بسُكّان الكواكب الأخرى، وأصحاب الأطباق الطائرة، وهل الأمر حقيقة أم مجرد خيال، مع الأخذ في عين الاعتبار أنّ الحقيقة ربّما تكون في وضعٍ متوسّطٍ بين الأمرَيْن؟
الشاهد أنَّ هناك الكثيرَ والكثير ممّا يقال في هذا السياق، وهناك أحداث تمتَدُّ منذ العام 1947 ولا تتوَقَّف عند العام الماضي، حيث تابع الأميركيّون أجسامًا فضائيًّا بعضها بحجم سيارة، في العديد من سماوات البلاد، وبخاصّة فوق المنشآت المُهِمّة النوويّة والعسكريّة، ولم تقدِّمْ إدارة بايدن في ذلك الوقت أيَّ جوابٍ شافٍ وافٍ عن المشهد.
السؤال الرئيسي في الوثائقيّ الأميركيّ الجديد، والذي قام بإخراجه “دان فرح” من مواليد ولاية نيوجيرسي: “هل هناك كائناتٌ حيّة عاقلة على الكرة الأرضيّة، بخلاف البشر؟ ثم وربما هذا لا يَقِلّ أهمّيّة هل تواصل هؤلاء معنا عبر التاريخ الإنسانيّ؟
التساؤلات كلُّها تدور في صيغةٍ من الحَيْرة بقصد التوَصُّل إلى منظورٍ عقلانيٍّ لفهم الكثير من الأحداث التي يقال إنّ حكومات الولايات المتّحدة الأميركيّة تخفيها عن أعين الناس وأذهانهم.
من بين أهمّ المتحدّثين في هذا العمل، الفريق متقاعد في القوات الجويّة “جيمس كلابر”، المدير السابق للمخابرات الوطنيّة الأميركيّة.
يكفي النطق هنا باسم الرجل، والمدى المعلوماتيّ الذي توافر له يومًا ما، فقد كان المُشرِف الأَوّل والرئيس على نحو ستة عشر جهازًا استخباريًّا، ولديه أضابير الماضي والحاضر، وما جرى في الكثير من بقاع وأصقاع الولايات المتّحدة عبر التاريخ.
تبدو أجهزةُ الاستخبارات الأميركيّة وكأنّها الحاضنةُ الرئيسة لكافّة المعلومات المتعلّقة بالفضائيّين، منذ ما جرى العام 1947 في مدينة روزويل بولاية نيومكسيكو الأميركيّة في عهد الرئيس هاري ترومان، وذلك حين تحَطَّم أحدُ الأطباق الطائرة وخرج منه كائناتٌ غامضة، وسرعان ما قامت الأجهزة الأمنية هناك برفع بقايا هذا الجسم، ونقل من كانوا في داخله إلى قواعد عسكريّة سرّيّة.
ولعله من ضمن المَرْوِيَّات المهمّة في هذا السياق، الحديث عن لقاء جرى بين الرئيس دوايت أيزنهاور، وبين تلك الكائنات، والتي ظَلَّتْ سِرًّا حتى الساعة لا يعرف أحدٌ عنها شيئًا.
من الأصوات الرئيسة المتحدّثة في الفيلم الذي يَهِلُّ علينا خلال بضعة أيّام، جاي ستراتون، المسؤول السابق في وكالة استخبارات الدفاع DIA.
يُقسِم ستراتون بأغلظ الإيمان، أنه رأى بأمّ عينه مخلوقات غير بشريّة، وكائنات عاقلة لا تنتمي إلى جنسنا البَشَرِيّ، ويفصح عن الكثير ممّا لا علم لنا به.
أمّا المفاجأة الكبرى في “أوان الإفصاح”، فتتمثل في مشاركة الصديقين المقربين، وزير الخارجية ماركو روبيو، ونائب الرئيس دي دي فانس، وأحاديثهما التي تثير الكثير من التفكير.
روبيو يعترف علانيةً بأنّ الأميركيّين وهو منهم، قد شَهِدوا حالاتٍ متكرِّرةً لأجسام طائرة تطير في المجال الجوّيّ فوق منشآت نوويّة محظورة، أجسام ليست تابعةً للقوات الجوّيّة أو الفضائيّة الأميركيّة، وكأنّها كانت تُجرِي نوعًا من المناورات هناك، ويصر على أنه رأى بنفسه أسطولًا منها، وهو هنا كان يؤكّد الظواهر التي جرت العام الماضي.
لا تتوقّف المشاركات عند هذا الحَدّ، لا سِيّما أنَّ ما فاهَ به نائبُ الرئيس جي دي فانس في الفيلم مثيرٌ جدًّا بدَوْرِه.
في أواخر أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وخلال حفل تأبين للقطب اليمينيّ المغدور تشارلي كيرك، تكَلَّمَ جي دي فانس، نائبُ الرئيس اللامع، والرجل المرشَّحُ لرئاسة مؤكَّدَةٍ في 2028، إن لم يكنْ قبل ذلك، تَكَلَّمَ عن تلك الأجسام، وإن أخذ مسلكًا روحانيًّا بوصفه رجلًا متديّنًا جدًّا.
دي فانس يقول إنّ البشرية قد تكون في مواجهةٍ مع قوى روحيَّةٍ لا يمكن التعاطي معها بصورةٍ بشرِيَّة، سواء أكانت من الملائكة أو الشياطين، والأهمُّ أنَّه أظهر إصرارًا على العمل الدؤوب من أجل كشف حقيقة المشهد، وأشار إلى أنه تناقش طويلًا مع روبيو حول تلك الأجسام وما الذي تفعله في كوكبنا.
ولكي تكتمل الثلاثيَّة، نجد مديرة الاستخبارات الوطنيّة الحاليَّة، تولسي غابارد، تتكَلَّمُ بدورها مؤخَّرًا عن اعتقادها في وجود كائنات شبيهة تعيش في كوكب الأرض، وأنّها عمَّا قريب ستتشارك الحقيقة مع الأميركيّين، وتقول نحن نواصل البحث ولن نُخْفِيَ الحقائق على شعبنا عندما تكون واضحة وجاهزة.
من يتبَقَّى في سياق هذا الحديث؟
بالقطع سيد البيت الأبيض الرئيس دونالد ترمب، فعلى الرغم من أنه اشتهر بتشكيكه في وجود الأجسام الطائرة المجهولة، وحكايا الفضائيّين، وهو ما أكَّده في حديثٍ له في أكتوبر 2024 خلال لقائه مع المؤثِّر الشهير جو روغان، إلّا أن ذلك لا يَنفي أنّه خلال حملته الانتخابيّة 2020، وبعد أربع سنوات له في البيت الأبيض كرئيسٍ، تحدَّثَ مع ابنه ترمب جونيور، الرجل الذي بدأ نجمُه يلمع في سماوات أميركا كمُرَشَّحٍ مُحتَمَل خلفًا لوالده، تحدث معه بالقول: “لن أخبرَك عما أعرفه عن قصة اليوفولوجي، أو علم دراسة الأجسام الفضائية، لكن ما يمكنني التصريح به هو أن مدينة “رورزيل” هي مدينةٌ مثيرة للاهتمام بشكل كبير.
هل كان ترمب يُلَمِّح لما جرى في أواخر الأربعينيات؟
في كلّ الأحوال، فإن مَن يراجع كتاب “غضب” لكاتبه الصحافيّ الأميركيّ الشهير، بوب وود وورد، رجل فضيحة ووترغيت المعروفة، يدرك أن ترمب قد اعترف ضمنًا بأنّ الولايات المُتَّحدة الأميركيّة لديها أسلحة لا “تخطر على قلب بشر”، وأنّ الصينيّين والروس لا يدرون شيئًا عنها.
هنا السؤال المثير: “هل جرى تعاونٌ بين الأميركيّين وسكان تلك الكواكب التي هبطتْ على الأرض، أسفر عن تقديم تكنولوجيا عسكريّة متقدِّمة للغاية، ساعدت على الهيمنة الأميركيّة على كافَّة بقاع وأصقاع المسكونة؟
لماذا هذا التوقيت لخروج هذا الفيلم على الأميركيّين، وهل للأمر علاقةٌ ما بأزمة ملفات أبستين، بمعنى أن هناك مَن يحاول إلهاءَ الأميركيّين؟ أم أنَّ الوقتَ قد حان بالفعل لوضع حَدٍّ لمبدأ “الحاجة إلى المعرفة”، والذي أرساه رؤساءُ أميركا منذ أيزنهاور، وقنن إلى حَدّ حَجْب معلومات تلك القصة عن الأميركيّين.
دعونا نتابع الفيلم الوثائقيَّ وما فيه وربما لنا عودة.






