لم يتأخر كثيرا انعقاد مؤتمر دعم حل الدولتين بقيادة المملكة السعودية وفرنسا، بعد أن تأجل عقده في 17 حزيران / يونيو الماضي بسبب الهجوم الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة 13 من الشهر ذاته، حيث باشر اعماله في مقر هيئة الأمم المتحدة في نيويورك صباح أمس الاثنين 28 تموز / يوليو الحالي بتوقيت المدينة الأميركية، ويشارك في المؤتمر وزراء خارجية وممثلي أكثر من 100 دول، في محاولة جادة وعملية لإعادة إحياء المسار السياسي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسط تصاعد الغضب والسخط العالمي من استمرار الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتعاظم المجاعة المتفاقمة التي تهدد حياة المدنيين الفلسطينيين.
وعشية انعقاد المؤتمر صرحت ممثلة الاتحاد الأوروبي عضو المفوضية الأوروبية مسؤولة المتوسط دوبرافكا سويسكا، أول أمس الاحد 27 يوليو، بأن المؤتمر هو “لحظة حاسمة ليس فقط للشرق الأوسط، وانما لنا جميعا.” وأضافت “السلام والازدهار في جوارنا المباشر يفيد أوروبا أيضا، ويجب ان يكون هذا المؤتمر ترجمة المواقف الى أفعال.” وأردفت “الاتحاد الأوروبي لا يشارك فحسب، بل نحن نساهم في صياغة أجندة المنطقة.” وأكدت “نحن لا ندعو للسلام فحسب، بل نستثمر فيه من خلال الحوار مع الشركاء، وتقديم المساعدات الإنسانية، ودعم جهود البناء وتعزيز قيام المؤسسات الضرورية لبناء دولة فلسطينية قابلة للحياة وديمقراطية وموحدة كجزء من حل تفاوضي.” وهذا الموقف يعكس الدور المركزي لدول الاتحاد الأوروبي، وليس فرنسا فقط في الاسهام المباشر في إنجاح اعمال المؤتمر، بما لها من ثقل سياسي وديبلوماسي واقتصادي على المستوى العالمي.
ويعقد المؤتمر على مدار اليومين الاثنين والثلاثاء 28 و29 يوليو الحالي، هادفا الى تسوية القضية الفلسطينية بالوسائل السلمية لتكريس وتجسيد خيار حل الدولتين، وتبنيا للمبادرة الشجاعة التي بدأتها العربية السعودية وفرنسا منذ نحو عام تقريبا. وثمن وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين في أيلول / سبتمبر القادم أمام دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال80، مؤكدا ان الخطوة الفرنسية تساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، كونها تمنح الشعب الفلسطيني الامل بنيل حقوقه السياسية والقانونية، وشدد الوزير السعودي على ان الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، التي سببتها الانتهاكات الإسرائيلية يجب ان تتوقف فورا، وأضاف أن المؤتمر يمثل محطة مفصلية نحو تفعيل حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأكد ان مبادرة السلام العربية تشكل أساس جامع لأي حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
كما ان وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو أعلن، يجب ان يكون المؤتمر نقطة تحول لتنفيذ حل الدولتين، وأضاف لا يمكن القبول باستهداف الأطفال والنساء في الوقت الذي يسعون فيه للحصول على المساعدات الإنسانية، وتابع أطلقنا زخما لا يمكن إيقافه من أجل الوصول لحل سياسي في الشرق الأوسط، وأكد ان النزاع الحالي والحرب والمعاناة يجب ان تتوقف، ويجب البدء بوقف إطلاق نار دائم في غزة.
أضف الى ان المؤتمر سيكون بمثابة مقدمة مهمة لعقد مؤتمر دولي في نيويورك على هامش الاجتماعات التي تضم رؤساء دول وشخصيات قيادية رفيعة المستوى في الدورة ال80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في النصف الثاني من سبتمبر القادم، في ظل جهود دولية متواصلة لنيل دولة فلسطين اعترافا من دول أوروبية رئيسية، وأبرزها فرنسا، في اطار خطة تشكل خطوات أخرى لإحلال السلام بين الدول العربية وإسرائيل.
وتكمن أهمية المؤتمر الدولي لدعم حل الدولتين، كونه شكل 8 لجان بدأت أعمالها منذ يونيو الماضي لبلورة رؤى سياسية واقتصادية وأمنية للإطار الخاص بدولة فلسطين، وتتكون اللجان من: إسبانيا، الأردن، اندونيسيا، إيطاليا، اليابان، النرويج، مصر، بريطانيا، تركيا، المكسيك، البرازيل، السنغال، وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي. وتتوزع مهام اللجان على جملة من المهام، منها محور الدولة الفلسطينية الموحدة وذات السيادة، وتعزيز الأمن، وتعميم لغة السلام، وتعزيز الاقتصاد الفلسطيني، وإعادة الاعمار، واشاعة الاحترام للقانون الدولي، وجهود يوم السلام، وحماية حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967.
ويهدف المؤتمر الى الوقف الفوري للإبادة الجماعية الإسرائيلية في فلسطين عموما وقطاع غزة خصوصا، وانهاء الصراع الطويل الممتد على ال 78 عاما الماضية، وتجسيد حل الدولتين، حيث امست غالبية دول العالم تؤمن به كونه خيارا عمليا للسلام.
وتتمثل أهمية المؤتمر كون انعقاده بحد ذاته شكل نقلة هامة في مسار القضية الفلسطينية، وأعاد الزخم الدولي للقضية الفلسطينية، واعادها لواجهة الصدارة الأممية كقضية مركزية تهم دول العالم قاطبة، شكل رافعة حقيقية لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، ومساهمته الافتراضية في زيادة عدد الدول التي ستعترف بدولة فلسطين، وزيادة الضغط الدولي على حكومة بنيامين نتنياهو لوقف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، ووضع حد للمجاعة الكارثية في قطاع غزة، ودحر وصد هدف التهجير القسري للفلسطينيين من وطنهم الام فلسطين، وإعادة الاعمار، وتعزيز دور الدولة الفلسطينية وحكومتها بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في ترسيخ ولايتها السياسية والقانونية على قطاع غزة وعموم الضفة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية العاصمة الفلسطينية الأبدية.
نعم مؤتمر نيويورك لدعم خيار حل الدولتين المنعقد حاليا في نيويورك شكل رافعة هامة وخطوة نوعية في تعزيز عملية السلام، وزاد من حصار وعزل دولة الابرتهايد النازية الإسرائيلية. ومطلوب من كل الدول والقوى تعميق الخطوات المختلفة، ونقل مخرجات المؤتمر الى أفعال على الأرض، وتجسيد حل الدولتين، وخاصة استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس على حدودها التي حددتها محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري في تموز / يوليو 2024 استنادا الى قرارات الشرعية الدولية التي تجاوزت الالف قرار أممي.
