قام مركز (أوراد) للبحوث بعمل استطلاع ميداني في قطاع غزة، والضفة هذا العام 2024 ومن خلال مقابلات شخصية وجهًا لوجه مع 1500 فلسطيني بكافة المحافظات الشمالية والجنوبية (16 محافظة)، حيث شارك بالبحث المرهِق 100 باحث ميداني في غزة في ظل العدوان الهمجي على شعبنا المكلوم هناك، كما حصل بالضفة الغربية أيضًا من فلسطين.
تم انجاز الاستطلاع بمتابعة حثيثة من إدارة مركز العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد) لمسار الباحثين والمستطلعين لأماكن اللجوء خاصة في غزة عبر نظام متابعة المواقع.
وفي ندوة هامة عقدت بحضور عدد من النخب الفلسطينية من كافة الاتجاهات والكوادر الشابة استعرض رئيس المركز الدكتور نادر سعيد (ماجستير في الاقتصاد ودكتوراه في علم الاجتماع) نتائج البحث التي كانت بحق مثيرة للجدل. وكما جاء فإن “هذا هو الاستطلاع الثاني الذي يجريه مركز(أوراد) منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث سبقه الاستطلاع الأول بعد ثلاثة أسابيع من بدء العدوان على قطاع غزة. وأجري الاستطلاع الحالي بعد أكثر من سبعة أشهر من بدء الحرب، في الوقت الذي بلغ فيه عدد الوفيات ما يقرب من 35,000 والعدد الإجمالي للإصابات حوالي 80,00، وتم تهجير أكثر من 75٪ من سكان قطاع غزة وتدمير أكثر من 70,000 وحدة سكنية في القطاع. جاء الاستطلاع عشية الهجوم على رفح وما رافقه من تحذيرات بشأن تأثيره الإنساني على السكان والنازحين. أجبرت المعارك في رفح أعضاء فريق البحث على الانتقال لمناطق أخرى وإعادة توزين العينة لتتناسب مع حركة السكان”.
لمن يرغب النظر في نتائج الاستطلاع الهامة قراءة الموجز في البيان الصحفي، أو التفصيل بالتقرير، أو مشاهدة النتائج الرئيسية على شكل شرائح عرض ضوئي (powerpoint) من خلال مراجعة موقع المركز في الشابكة (انترنت) التالي: https://www.awrad.org/ar
وتحت العنوان: “استطلاع الرأي العام الفلسطيني في الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة: غزة منذ بدء الحرب حول غزة والمستقبل، الآفاق السياسية، الحكومة الفلسطينية، الأولويات، الانتخابات والتأييد السياسي – أيار 2024 “.
في اللقاء الهام/الندوة بمقر مركز أوراد في رام الله، وبعد استعراض د.نادر سعيد المكثف والصريح والمثير للأسئلة، تحدّث عدد من الأخوات والأخوة الكرام، وكنت منهم حيث أوجزت فهمِي أنا للحالة الفلسطينية القائمة، استنادًا لعرض عدد من أبواب استطلاع المركّز على شكل نقاط كالتالي:
1- يُحتسب للشعب الفلسطيني البطل إيمانه الثابت بوطنيته واستقلاليته، وبتواصل كافة أشكال النضال، إضافة الى تمسّكه بتجسيد وتحرير دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني والمعترف بها سياسيًا عالميًا (لكنها تحت الاحتلال). حيث صوّت 77% في غزة للدولة الفلسطينية الى جوار دولة الإسرائيلي، فيما كان الإجمالي 54%. وصوّت مع المفاوضات وعملية سلام جدّية بشكل إجمالي 67% وبغالبية كبرى في غزة (92% بين أدعم بشدة 77%، وأدعم الى حد ما 15%).
كما يُحتسب للشعب الفلسطيني امتلاكه للعقل الوحدوي مرتبطًا بوعيه بضرورة تحقيق الوحدة الوطنية (بين الفصائل)عامة، حيث جاء الرأي بشكل الحكومة التي تقود قطاع غزة (من الواضح كما أفهم أن المقصود هو بعد وقف العدوان) بنسبة 47% يثقون بحكومة وحدة وطنية، مقابل 23% لحكومة “حماس” لتُديرغزة، و14% لإدارة السلطة الفلسطينية لغزة، و8% للتكنوقراط…ومن المستطلَعين الفلسطينيين الغزيّين الذين يؤيدون حكومة لحماس تديرغزة لوحدها كانت النتيجة6% فقط. لكنه في جميع الأحوال فإن فكرة الاستقلالية الوطنية الفلسطينية هي الحاكمة للعقل الفلسطيني الذي رأى أن جهة فلسطينية وليس أجنبية هي من يجب أن يقود غزة جاءت بنسبة إجمالية 80%.
2-رغم إقرار المستطلَعَة آراؤهم بصعوبة الظرف حيث الموت يطارد الأحياء في كل جانب والدمار الشامل والإبادة، عدا عن تحدي الأمور المعيشية الصعبة (36%، مقابل تحدي البطالة وفرص الأعمال 30%…)، ورغم صعوبة الظرف الاقتصادي والأمني عامة، الذي أشاروا له (88% بين أسوأ بكثير، وأسوأ الى حد ما كما قالوا بالضفة الغربية)، ورغم أن الأمور في فلسطين كما رأى الكل بالضفة وغزة تسير أكثر نحو الاتجاه الخاطيء. (62% أجمالي) فإن نبرة التفاؤل بالمستقبل عالية نسبيًا (تقريبًا 60% بالإجمالي). وهذا يعني أن الإحساس العالي للشعب الفلسطيني بمستوى الجريمة الصهيونية البشعة ضد الانسانية ونتائجها الكارثية إحساس عالٍ جدًا، لكنه لم يتوقف لييأس أو يتراجع أو يُعلن سقوطه تحت براثن الانهزام النفسي سواء الجماعي أوالذاتي فمازال يرى أن باب الفرج والتفاؤل مازال مفتوحًا.
3-مازالت الآمال معقودة لدى الشعب الفلسطيني (بالضفة وغزة، لم يتم استطلاع الشعب الفلسطيني بالخارج) على الشخصيّة التي تمتلك سيرة نضالية مشهودة إضافة لجاذبية وإلهام (كريزما) الوطنية النضالية المتمثلة بالأخ مروان البرغوثي حيث حصَد أعلى الأرقام في كافة الاستطلاعات سواء الثنائية حيث مروان البرغوثي مقابل اسماعيل هنية يحوز (62% مقابل 16% بالاجمالي) أوفي الاستطلاع الجماعي أي ضمن مجموعة متعددة مقترحة من المرشحين..
4-رغم تفوق حركة التحرير الوطني الفلسطيني- “فتح” في غزة (57%، مقابل حماس 13% ) (ربما المقصود هنا حركة “فتح” بكل قبائلها كما يسمي د.نارد سعيد تياراتها) فإنها تمثل انتخابيًا (19% مقابل 30% ل”حماس” بالضفة) حيث الإشارة الى تراجع دور تنظيم حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح عامة، وأيضًا بهذه الأحداث، وكان برأيي أن هذا ليس جديدًا لاسيما وما حصل من تفتت فتحوي سابق حيث الانتخابات النيابية والرئاسية (عام 2021م) التي لم تجري (تم تأجيلها). وتوزع فيها المنتمون لحركة “فتح” بين القائمة الرسمية، وقوائم أخرى وعلى مساحة مُجمل القوائم التي فاقت 30 قائمة (36 قائمة)، وفي ظني أن عدم القدرة على الاستنهاض أو إعادة البناء حتى الآن بما يتعلق بالكتلة البشرية للحركة خاصة بالوطن، والمفاهيم والنُظُم الداخلية الحاكمة، إضافة للعلاقات الرأسية بين القيادة والقاعدة، وضعف الكاريزما هي الأساس في ذلك.
بينما أعتقد أن الحركة فيما يتعلق بالتاريخ النضالي وفيما يتعلق بالفكرة النضالية أوالوطنية والوسطية والحضارية والرحابة التي تتميز بها مازالت حاضرة، إضافة للأمل الفلسطيني العام بمستقبل أفضل لهذه الحركة المؤسِسَة، لذلك تجد فكر حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” (الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي حسب الاستطلاع) مازال يحظى بالأولوية من التبني على فكر حركة “حماس” (32% مقابل 21% بالإجمالي).
5-تراجع مستوى قبول حركة “حماس” كما ظهر بالاستطلاع (خاصة في قطاع غزة بالطبع، نسبة 80%) لأنه واضح ومفهوم نتيجة انعكاسية لمستوى المعاناة نتيجة الإبادة الجماعية الصهيونية والدمار للأرض التي أعيد احتلالها وأعيدت للعصر الحجري، وافتقاد الأمل بالوضع القائم في غزة خاصة في ظل عديد التقارير التي أشارت للدور السلبي لسلطة فصيل “حماس” فيما يتعلق بسوء معاملة الناس، وفي طريقة التعامل العنيفة أو غير العادلة مع المساعدات الانسانية (ظهرت ردة الفعل أيضًا لاحقًا من قبل المستطلعة آراؤهم حيث تم تفضيلهم الأمم المتحدة كمسؤولة عن المساعدات بغزة بنسبة 80%، وحصلت حماس فقط على ثقة بنسبة 2% من الغزيين بهذا الشأن، مقابل 21% بالضفة). أما في استطراد منّي فكما أن حدث الطوفان في 7/10 قد أعطى مفاعلية كحدث مشهود لدى الجميع عدوًا أو صديقا بلا شك، فإن اليوم التالي له لم يكن إلا كارثة إنسانية وكرب ونكبة عظمى لم يحصل مثلها للشعب الفلسطيني منذ نكبة العام 1947-1948م، حيث يرى الجميع الإبادة الجماعية ومجزرة “صبرا وشاتيلا” يومية أمام أعين العالم، كما الحال من سوء الإدارة الفلسطينية للأحداث عامة سواء في غزة أو الضفة، وعدم قبول النقد، والامتناع الغريب عن المراجعة وضرورة النظر في اختلال المسار.
6-لاحظت من الاستطلاع عامة عدم وجود (أو بالأدق تدنّي) ثقة بالإدارة أو القيادة السياسية الحالية عامة، وبالشخصيات الموجودة عامة شمالًا وجنوبًا، وأيضًا بالإدارة المالية. وفي تفسيري لذلك فلا بد أن للعوامل التالية كل التأثير من دور: المحاورالإقليمية والعالمية السلبي، وعدم حصول المصالحة وبقاء التفرق والانقلاب والانقسام، ولسبب تحطم الواقع الاقتصادي-الاجتماعي المعيشي وانعكاساته النفسية الفظيعة، ولعدم وجود معامل التغيير في القيادة الحالية، والتصريحات السلبية أو المنفّرة للأطراف الفلسطينية التي بخّست من قيمة حياة الشعب، والهجوم التهييجي الانفعالي المقصود لبعض الفضائيات المتحزّبة والتجييشية العاطفية (لحسن الحظ أن الفضائيات لم تحظ بالاحترام الأكبر (مصدر استقاء الخبر والمعلومة حسب الاستطلاع) في مقابل منصة “تلغرام”، حيث حاز تطبيق “تلغرام” الروسي على ثقة 75% في غزة و50% بالضفة أي باجمالي 58% بينما المصادر التقليدية التي بينها الفضائيات على إجمالي 34%).
7-لربما لاحظت كثير من فقدان الثقة وأحيانًا الارتباك لدى الفئات المستطلَع آراؤها خاصة فيما يتعلق بالفصائل عامة، وقياداتها الحالية (لو أجريت الانتخابات الرئاسية سيحصل السنوار على 9% مقابل 8% لمحمود عباس و6% لهنيّة، و15% لدحلان، و3% و2% لمصطفى البرغوثي ثم سلام فياض، وآخرون بنسب أدنى، فيما كان 33% الاجمالي مع مروان البرغوثي) ما يشير بتقديري على ثورة شبابية نهضوية قادمة (كنت قد كتبت عنها سابقًا)، وهذه الثورة ستطيح بالكثير وتكرّس الخط الصحيح بإذن الله.
8- رغم الواقع المدمّر الذي يعيشه الشعب العربي الفلسطيني سواء بدولة فلسطين على المتاح من الأرض بشطريها، أوبالتضامن الذي لم ينقطع مع القسم الآخر منه خارج الوطن فإنه شعب مؤمن بالله جل وعلا، وحتمية النصر. وهو شعب مناضل مرابط مكافح بكافة أشكال النضال، بلا شك. وقضيته مقدسة وفلسطين أكبر من الجميع ويفهم أكثر من قيادته ويتقدمها كما كان يردد الخالد ياسر عرفات رحمه الله وكل الشهداء، لا سيما أن فكرة الديمقراطية والتغييرلم تنفك تراوده مربوطة بالوحدة الوطنية وقضية فلسطين. وحيث قرّر المستطلَعون ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية بنسبة 96% وفي هذا كما هو واضح من النسبة العالية بالشطرين والمتوافقة بذات النسبة أيضًا لديهما أن المخرج يراهُ الفلسطينيون عبر التغيير لمصلحة فلسطين.
مما سبق لخّصت النظرة أن فيها 5 جوانب أيجابية مقابل 3 من النقاط الثمانية أعلاه، وهذا معدل مهمّ النظر له ودراسته في “شخصية الشعب الفلسطيني” المتعلمة والعاملة والنضالية.
وأضفت في إطار تعليقي على مجمل الآراء الهامة التي طرحت بالندوة (26/6/2024م) أن مساحة الحوار والديمقراطية وأدب الاحتلاف والرحابة فينا كبيرة (أو يجب أن تكون كذلك)، لذا نحترم الاختلافَ بيننا، فيما يتعلق بالفصائل وأدوارها وفشلها أو انجازها وتقدمها أو تراجعها، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية، وبالطبع السلطة الوطنية. فقبول النقد للأداء أو القيادات أوالتصريحات والمواقف واستعراض الفشل وتقصير الأطر مقبول وضروري. وكذلك الأمر في طريقة فهم أو تبني وسيلة (وسائل) أو أداة النضال تبعًا للمرحلة والاتفاق وليس ارتباطًا بفصيل بعينه، لأن الشعب الفلسطيني كلّه شعبٌ مجاهدٌ ومكافح، ومهما كان الرأي بالقضية ففلسطين هي فلسطين وهي البوصلة. وعليه فإن الأسس التي لا نختلف عليها ثلاثة:
إنها فلسطين وروايتنا بالأرض والشعب والتاريخ والمستقبل،
وثانيًا لا نختلف على التمثيل الفلسطيني الموحّد والمستقل ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، وثالثًا لا نختلف على فكرة النضال والجهاد والمقاومة والكفاح بكافة الأشكال وحتى النصر والتحرير بإذن الله.