أوروبا تستدرك «خطيئتها»: لا حلّ خارج المظلة الأميركية

ريم هاني

لم يكن اصطفاف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى جانب كل من روسيا وكوريا الشمالية لتمرير مشروع قرار في «مجلس الأمن» حول أوكرانيا – الأسبوع الماضي -، لا يتضمن أي إدانة لروسيا أو أي ضمانات لكييف، آخر «كوابيس» الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بشكل خاص، وحلفاء واشنطن الأوروبيين بشكل عام، إذ يبدو أنّ «العرض التلفزيوني» الذي جمع، أخيراً، بين الرئيس الأميركي ونظيره الأوكراني، وانتهى، على ما يظهر، بطرد الأول للأخير، ومطالبة الإدارة الأميركية، لاحقاً، بـ»اعتذار علني» من زيلينسكي، كشرط لاستعادة العلاقات، طبقاً لما نقلته وكالة «بلومبرغ» عن مصادر مطّلعة، كل ذلك قد وضع القادة الأوروبيين أمام السيناريو الأسوأ، والذي قد يتعيّن عليهم فيه مواجهة روسيا منفردين، وخارج أي مظلة أميركية.

وأجرت «بلومبرغ» مقابلات مع أكثر من ستة مسؤولين «معروفين برباطة جأشهم في الحروب والأزمات»، وفق ما وصفتهم به. وعبّر هؤلاء عن «غضب عميق» من نتائج الاجتماع الذي عُقد الجمعة، معتبرين أنّ «الثقة والقيم التي كانت تجمع أوروبا والولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تعد مشتركة بين الطرفين». ورأى غراهام أليسون، أستاذ «الإدارة الحكومية» في «جامعة هارفارد»، والذي درس مع هنري كيسنجر وخدم في إدارتي بيل كلينتون ودونالد ريغان، أنّ ترامب «خلق تحدياً أساسياً لـ(التحالف عبر الأطلسي)، لم يشهد الأخير مثيلاً له منذ عقود كثيرة»، مراهناً على أنّ أوروبا لن تكون قادرة على «سد الفجوة» التي خلقها التراجع الأميركي، في الوقت المناسب، ما سيجبر أوكرانيا «على القبول بتسوية سلمية مريرة بحلول نهاية الصيف»، على حدّ تعبيره.

وكان وصف كل من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيسة «المفوّضية الأوروبية، فون دير لاين، قبيل انعقاد لقاء في لندن، أمس، بين زيلينسكي ومجموعة من القادة الأوروبيين، لـ»بحث الخطوات التالية»، اللحظة الراهنة «بأنها أصعب تحد منذ أجيال» بالنسبة إلى القارة الأوروبية.

بيد أنّه وعلى الرغم من حدّة ردود الفعل الأولية، والتي صدرت من القارة العجوز عقب لقاء ترامب – زيلينسكي، فإنّ التصريحات التي سجّلها أبرز القادة فيها، في وقت لاحق، تسلّط الضوء على عدم قدرة أوروبا مجتمعة على تحمّل أي «قطيعة» محتملة مع واشنطن في ما يتعلق بالملف الأوكراني. وبدا المسؤولون الأوروبيون، أمس، كمن يحاولون استدراك خطورة استعداء الولايات المتحدة في هذه المرحلة؛ إذ اتصل، عقب «حفلة الصراخ» بين ترامب وزيلينسكي، رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، هاتفياً بالرئيس الأوكراني لمحاولة إقناعه بالعودة إلى البيت الأبيض، قبل أن يهاتف ترامب في محاولة لـ»خفض منسوب التوتر». وطبقاً لصحيفة «تيلغراف» البريطانية، فإنّ جهود المسؤول البريطاني لم تؤت ثمارها، بعدما أبلغه الأميركيون بأنّ «الأعصاب يجب أن تهدأ» قبل استئناف أي مباحثات.

من جهتها، أفادت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية بأنّه عقب «احتضان» ستارمر لزيلينسكي إثر تشاجر الأخير مع الرئيس الأميركي، أكّد الأول، في جلسة خاصة، أنّه سيحذّر الرئيس الأوكراني والزعماء الأوروبيين الآخرين في قمة لندن من أن «الطريق إلى السلام في أوكرانيا يجب أن تمر عبر البيت الأبيض». ونقلت الصحيفة عن أحد حلفاء ستارمر قوله إنّ الأخير «سيجمع الناس معاً ليوصل إليهم بأدب فكرة أنّ المفاوضات الوحيدة المطروحة على الطاولة هي المفاوضات التي يقودها ترامب».

كذلك، تعرّض زيلينسكي لضغوط من مسؤولين آخرين لـ»استرضاء» الرئيس الأميركي؛ إذ قال، على سبيل المثال، الأمين العام لحلف «الناتو»، مارك روته، في حديث إلى شبكة «بي بي سي» البريطانية، إنه أبلغ زيلينسكي بأنّه بحاجة إلى إيجاد طريقة لاستعادة علاقته مع ترامب والإدارة الأميركية لـ»المضي قدماً». كما ذكّر روته زيلينسكي بأنّ ترامب هو الذي قدّم أسلحة «جافلين» المضادة للدبابات إلى كييف عام 2019، ما أتاح لها «مقاومة روسيا»، مشيراً إلى أنّه لولا تلك المساعدة لما كانت أوكرانيا لتصل إلى «أي مكان»، وأنّه على الرئيس الأوكراني «الاعتراف بفضل ترامب»، وبما فعلته واشنطن ولا تزال.

لا بل إنّ زيلينسكي نفسه بدا مدركاً لخطورة «ما اقترفه» خلال لقائه مع ترامب، إذ كان قد أعرب، فور مغادرته البيت الأبيض، «عن أسفه للطريقة التي سارت بها المحادثات»، مشدداً على أهمية أن «تحظى أوكرانيا بدعم ترامب»، شاكراً الولايات المتحدة «وشعبها» على وقوفهما إلى جانب بلاده. وفي المقابل، تتلمّس موسكو، على ما يبدو، حالة «الضعف» الأوروبية خارج مظلّة واشنطن، الأمر الذي يفسر حديث الكرملين، أمس، عن أنّ «موقف الاتحاد الأوروبي سيتغير مع الوقت، على ضوء اتصالاته مع واشنطن وديناميكية علاقاتنا مع الأخيرة».

انقسام داخلي؟
وعلى ضوء ما تقدّم، يحذّر مراقبون بشكل متزايد من أنّ أي اتفاقية جديدة تعيد تجربة اتفاقيات «مينسك»، والتي كانت تهدف إلى إنهاء الحرب في منطقة دونباس، ولا تتضمن ضمانات كافية ومشاركة أوكرانية وأوروبية «فعالة»، ستؤدي إلى جولات أخرى من الصراع، بل إنها قد تتسبب باضطرابات داخل أوكرانيا. وفي هذا السياق، تشير مجلة «فورين أفيرز» إلى أنّه في حال قررت موسكو والجهات الفاعلة الأخرى – أي في هذه الحالة واشنطن -، طرح شروط وقف إطلاق النار من دون مشاركة أوكرانية كافية منذ البداية، فلن تتمكن كييف من حماية مصالحها أو إقناع الأوكرانيين بشرعية الصفقة، ما سيؤدي إلى فشل الأخيرة حتماً.

وتردف المجلة أنّه في استطلاع أجرته «مجموعة التصنيف» (Rating Group)، في آذار 2024، أكّد أكثر من نصف الأوكرانيين الذين شملهم الاستطلاع أنه في حال «معارضتهم شروط أي معاهدة سلام محتملة»، فإنهم «سينضمون إلى احتجاج سلمي»، فيما قال سبعة في المئة منهم إنهم سينضمون إلى «احتجاج مسلح».

كذلك، يذكّر أصحاب الرأي المتقدم بأنّ عملية «مينسك» التفاوضية أدّت إلى وقف مؤقت للأعمال العدائية، إلا أنها قوّضت فرص البحث عن حل طويل الأجل، ومهّدت الطريق لصراع أكثر تدميراً، وشوّهت إرث جميع المعنيين به، مشيرين إلى أنّ استقاء الدروس من الاتفاقيات السابقة يُعدّ ضرورياً لحماية المصالح الأميركية جنباً إلى جنب سمعة ترامب، الذي يعمل على استبعاد الدول الأوروبية من المفاوضات، ويتبنى «نهجاً خاطئاً» عنوانه «التسرع في التوصل إلى اتفاق».

الاخبار اللبنانية

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً