لأننا ندرك ما التداعيات الكارثية لتفكيك سوريا على لبنان , نسأل أين أنت يا رجب طيب اردوغان ؟ لطالما تمنينا أن يتخلى عن اللوثة العثمانية , أو اللوثة السلجوقية , ويقرأ محاضر مؤتمرات فرساي ولوزان وسان ريمو , ليفهم , للمرة الأخيرة , أن السلطنة دفنت تحت التراب الى الأبد , كما سوف يدفن تحت التراب من يحاول احياءها .
هو من تأثر بنظرية أحمد داود أوغلو حول النيوعثمانية , واعتمد على “الاخوان المسلمين” , الجاهزين دوماً لتأجير ظهورهم حتى للشيطان , على أنهم النيوانكشارية التي يستطيع , بواسطتها , الاستيلاء على مصر وسوريا , وعلى تونس , وصولاً الى الخليج لأن السيطرة على حقول النفط والغاز يعني أن الخيول العثمانية لن تتوقف عند أسوار فييينا بل يمكن أن تصل الى قصر هوفبورغ الملكي في المدينة .
حين وضع “الاخوان المسلمون” , وبطريقة لصوص منتصف الليل , يدهم على السلطة في مصر , أعدّ اردوغان العدّة , لاختراق سوريا . استجلب كل تلك الحثالة الايديولوجية من أصقاع الدنيا , حتى أن راشد الغنوشي بعث اليه بـ 10000 مقاتل من جبال جنوب تونس , لتقويض السلطة في دمشق , وهي حلم سلجوقي قديم , بعدما كان قد خطط لاستعادة حلب والموصل , كونهما جناحي السلطنة , دون أن يدري أنه ليس فقط محاطاً بالخطوط الحمراء , وانما بالأسلاك الشائكة الحمراء . النهاية سقوط النيوانكشارية في مصر وفي سوريا .
لكن السيناريو الأسود ظل يلعب في رأس الرئيس التركي . الزبائنية (الاستراتيجية) بلغت به حد انتظار الضربات الاسرائيلية لـ”حزب الله” , والتي بلغت الذروة باغتيال السيد حسن نصرالله , واعلان اتفاق النار الذي صيغ بأصابع أميركية واسرائيلية , ليطلق العنان للفصائل الهمجية والانقضاض على سوريا , بعدما كان النظام قد تعرض , بفعل الحصار , الى التآكل الداخلي , لتبقى ظنوننا مشروعة ومشرعة حول الدور الروسي في السيناريو .
اردوغان احتل سوريا بأولئك البرابرة الذين أتى بهم من آسيا الوسطى , ومن القوقاز (العالم التركي) , والذين , كما قال الوزير السابق وئام وهاب لا يعرفون ما هو شكل المسيحي , أو شكل العلوي , أو شكل الدرزي , وحتى شكل السني البعيد عن تلك الترسبات التاريخية والايديولوجية المروعة . نماذج بدائية وخرجت للتو من كهوف تورا بورا لتقيم , بالجماجم , النظام الديمقراطي في سوريا . تصوروا …
للتو التقط الاسرائيليون اللحظة لتبدأ خطة توسيع حدودهم , وفكفكة سوريا , دون أن يتجرأ اردوغان , وزبانيته , على اطلاق رصاصة واحدة للدفاع عن الأراضي السورية . هل ثمة من فضيحة , من فجيعة , أشد هولاً ؟ في رأسه من يصل الى دمشق يصل الى بيروت سيراً على الأقدام , لتغدو حقول الغاز بين يديه , ما يتيح له عقد صفقة العمر مع بنيامين نتنياهولادارة غاز شرق (وجنوب) المتوسط , وتصديره الى أوروبا عبر خزانات عملاقة تبنى في تركيا , الأمر الذي يعارضه الأميركيون والروس على السواء , لنكتشف مدى الغباء في ديبلوماسية الثعبان , وأيضاً وايضاً في استراتيجية الثعبان .
وها أن اسرائيل تضرب قرب القصر الجمهوري في دمشق كما لو أنها تضرب قرب القصر الجمهوري في أنقرة , وتهدد بضرب أي وجود عسكري جنوب دمشق . بوضوح أكثر ألجنوب السوري (وغداً الشرق السوري) في يد تل أبيب . هل سقط الطربوش عن رأس السلطان …؟
رئيس الحكومة الاسرائيلية يدرك ما المسافة الفاصلة بين ضفاف بردى وضفاف طبريا , أجل سقط الطربوش العثماني أمام القلنسوة اليهودية , قيل له ممنوع أن تطأ قدماك أرض دمشق , بعدما كان يراهن على زيارة أمبراطورية للوالي العثماني . ولكن ألم تظهر الأحداث الأخيرة , من مجازر الساحل , وحيث كان ظل هولاكو واضحاً في وجه كل واحد من أولئك المغول الجدد , الى مجزرة جرمانا و صحنايا , أن سوريا على حد السكين ؟
ها أن بسلئيل سموتريتش يكشف خارطة الطريق الاسرائيلية بكل تفاصيلها “هذه المعركة ستنتهي بينما سورية تتفكك , و”حزب الله” تلقى ضربة قاسية , وايران باتت من دون تهديد نووي , وغزة مطهرة من “حماس” , والآلاف من سكانها في طريقهم الى دول أخرى . لا بد أن هذا الكلام وصل الى اردوغان الذي يعلم أن “حزب الله” يعيش تداعيات تلك الضربة , وأن ايران لا تريد حيازة القنبلة , كما أن غزة المحاصرة من اتفاقية كمب ديفيد , من جهة , ومن اتفاق أوسلو (ووادي عربة) من جهة أخرى , تحولت الى ركام . الآن سوريا هي نقطة الاستقطاب على المستوى الايديولوجي , وعلى المستوى الاستراتيجي , بتاثيرها على الخريطة اللبنانية كما على الخريطة العراقية , بل وعلى خريطة المنطقة .
من يقف في وجه “مجانين يهوه” ؟ دونالد ترامب يشارك نتنياهو رؤيته لتفكيك سوريا , ولتفكيك تركيا أيضاً . ايران بعيدة جغرافياً . المفاوضات بينها وبين الولايات المتحدة قد تفضي الى نتائج مثيرة على المسارات الراهنة للشرق الأوسط , والى حد التساؤل “متى يتدحرج رأس اردوغان على الأرض السورية؟” .
من الآن وصاعداً كل الأنظار الى المشهد السوري . بطبيعة الحال , لا نتوقع من الرئيس التركي أن يتوقف عن اللعب في الظلام . ولكن , هل ثمة من امكانية أمامه لكي يلعب في الظلام ؟!
