تنقسم التنظيمات الموجودة فى سوريا إلى إخوانية أو سلفية جهادية أو أكثر تشدداً مثل «القاعدة» و«داعش»، وهذه التنوعات هى التى تسببت فى اندلاع مواجهات لم تكف فى أى يوم منذ وقت الأحداث فى سوريا وحتى الآن.
يمثّل الصنف الأول حركة «أحرار الشام»، التى يندمج فيها المكون السلفى والإخوانى، ويحدث دائماً صراع بينهما على القيادة والسياسة، ويعكس دائماً مجلس شورى الحركة الصراع بين تيارين؛ محافظ «سلفى جهادى» مقرّب من «القاعدة»، وجناح مقرّب من «الإخوان المسلمين»، وينعكس هذا على عناصر الحركة، التى تتحول دائماً من هنا لهناك والعكس، فعلى سبيل المثال تم تعيين على العمر «أبوعمار»، وهو مهندس، قائداً عاماً لـ«الأحرار»، وهو من عائلة «إخوانية» سورية هربت إلى العراق فى الثمانينات، ومن العراق انتقل إلى اليمن، حيث انضمّ إلى تنظيم «القاعدة»، وعاد إلى سوريا محسوباً على التيار «المعتدل» فى «أحرار الشام».
ويمثل الصنف الثانى حركة «لواء جند الأقصى» القريب من «القاعدة»، والذى وقف فى أوقات مع «فتح الشام» قبل أن تكون «هيئة تحرير الشام»، ومرة أخرى مع «أحرار الشام»، وفى مرات اقترب من «داعش»، وانشق عن «الجولانى» رفضاً لقتالها، وهو متهم بالتقارب مع «داعش» وضلوعه بعمليات اغتيال لقادة فصائل المعارضة السورية، وكان قد ترك نهاية العام 2015 «جيش الفتح» بسبب إعلان الأخير قتاله لها.
إلى جوار لواء «جند الأقصى» يقف تنظيم «حرّاس الدين» الذى يمثل القاعدة فى سوريا، وتنظيمات أخرى كثيرة مثل: «حركة نور الدين زنكى» و«أجناد الشام» و«لواء الحق» و«الحزب الإسلامى التركستانى» و«أنصار الدين»، فيما تقف هيئة تحرير الشام فى المنتصف كمظلة جامعة لتنظيمات قريبة منها فى المنهج، سلفية وإخوانية وعناصر من القاعدة، إما تم اغتيالها أو تدجينها، وهى دائماً مستمرة فى براجماتيتها، فى الحفاظ على التيارين معاً على يمينها ويسارها، على أن تلعب دور الموازن بينهما.
وتقف «داعش» كصنف ثالث ضد جميع الصنوف الأخرى، لكنه يعمل أحياناً من المناطق التى تسيطر عليها الفصائل الأخرى، خاصة فى المناطق الحدودية التى تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، التى تواجه الآن معارضة قوية من إخوة المنهج ومرجعيات التيار السلفى الجهادى، ومن المواطنين الذين يتهمونها بالعمالة والفساد.
«تحرير الشام» (هتش) تشهد صراعاً بين تيارَين، الأول يضم كتل المنطقة الشرقية، وعلى رأسها الشرعى مظهر الويس، والتيار الثانى يضم قياديى الصف الأول، أبوأحمد حدود، ورئيس المجلس الشرعى عبدالرحيم عطون (أبوعبدالله الشامى)، وهى تعانى من اختراق داخلى، ما أدى إلى أن زعيمها قبض على معاونيه بتهمة إدارة شبكة تجسس تضم العشرات من القيادات والكوادر تعمل لصالح «دول خارجية»، إضافة إلى تهمة تتعلق بالسعى للإطاحة بالقيادة، ومنهم: مظهر الويس، عضو مجلس القضاء والمجلس الشرعى، وزيد العطار، مسئول المكتب السياسى، وأبومحجن الحسكاوى، مسئول منطقة إدلب، الشرعى السابق فى صفوف الهيئة، وطلحة الميسر المعروف بـ«أبوشعيب المصرى».
إذن نحن لسنا أمام مكون واحد فى سوريا، بل مكونات متعددة، الطلاق الداخلى بينها أكثر من التوافق، وأثبتت الوقائع عدم إمكانية إجراء «توافق» على تفاهم، حين يكون الإقصاء سلاحاً بينهم طوال الوقت.
وقد حاولت تركيا مع أطراف خارجية دولية أخرى إعادة إنتاج لهذه الفصائل السورية، وصنَّفتها ما بين صقور وحمائم، محافظين وإصلاحيين، متشددين ومعتدلين، لكنها حتى الآن فشلت بسبب المرجعيات الجهادية السلفية، والاندماجات، والاستقواء بقوى خارجية، والتنافس المحموم للسيطرة.ودائماً ما نفاجأ بأن بعض الدول تصنف هذه الفصائل ثم تعيد تصنيفها بشكل مضاد، مثل «جيش الإسلام» و«جيش المجاهدين» و«ثوار الشام» و«صقور الشام» و«تجمع فاستقم كما أمرت» و«نور الدين زنكى» و«أسود الشرقية» و«فيلق الرحمن» و«الجبهة الشامية» و«جيش إدلب الحر»، و«حركة أحرار الشام»، التى صنَّفتها روسيا وأمريكا كإرهابية، ثم أعادت تصنيفها من جديد أكثر من مرة هى وتركيا منذ مؤتمر أستانة وحتى الآن.
وتسعى الآن تركيا لإعادة العلاقات مع النظام السورى وفى قبضتها هيئة تحرير الشام، التى تحوى عشرات الفصائل، وكذلك تلوِّح بالرغبة فى تصفية «المتشددين»، وهو الاتجاه الذى تتخذه المقاربة الإقليمية المقبلة، لكن هل تنجح تلك المساعى؟ وهل تنجح جهود التخلص من المتشددين؟ وهل ستقبل تلك التنظيمات السياسة الإقليمية الجديدة؟ وأين سيذهب المعتدلون فى معادلة النظام السورى؟ وكيف سيتم إدماج كل هذه العناصر؟.. إنها أسئلة ستجيب عنها الأيام المقبلة.