حسين الأصهب
مقدمة البحث
تشكل الشرعية السياسية إحدى الركائز الأساسية لثبات الأنظمة واستمرارها، إذ يعتمد استقرار أي نظام على قدرته في تبرير سلطته وتحصين موقعه أمام المجتمع. وبينما تتعدد مصادر الشرعية في الفكر السياسي من شرعية دستورية إلى اقتصادية أو ثورية، يبقى الدين من أكثر المصادر عمقا وتأثيرا في الوجدان الجمعي، خصوصا في المجتمعات التي يعد فيها الدين جزءا حيا من هوية الدولة وسلوك المجتمع.
ومن هنا تنشأ علاقة مركبة بين رجل السياسة ورجل الدين، حيث تمارس السلطة السياسية دورا بالغ الحساسية في إعادة إنتاج الشرعية عبر توظيف الخطاب الديني، سواء من خلال المؤسسات الدينية الرسمية أو الشخصيات الدينية ذات الحضور الاجتماعي.
تزداد أهمية هذه الظاهرة في العالم العربي، ولا سيما في دول الخليج العربي، التي تقدم نموذجا معاصرا وواضحا لاستخدام الدين كأداة لإدارة الشرعية وتعزيز الاستقرار السياسي. إذ تمنح البنية الاجتماعية المحافظة وعمق المرجعية الدينية للنظام السياسي مساحة واسعة لدمج الدين في آليات الحكم، وذلك عبر تكريس خطاب ديني يربط بين طاعة ولي الامر والاستقرار وبين حماية الثوابت الدينية والحفاظ على الوضع القائم.
على الجانب النظري، يقدم عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر اطارا تحليليا بالغ الأهمية لفهم هذه الظاهرة. فقد صنف فيبر الشرعية إلى ثلاثة أنماط رئيسية التقليدية، الكاريزمية، والقانونية موضحا الدور الحاسم للقيم الدينية والثقافية في تبرير السلطة السياسية داخل المجتمعات. ويعد هذا الاطار أساسا مناسبا لتحليل العلاقة بين الدين والسياسة في الأنظمة التي تمنح الشرعية التقليدية أو الدينية دورا بارزا في استقرار الحكم.
تكمن أهمية هذا البحث في تحليل كيفية توظيف رجل السياسة لرجل الدين والمؤسسة الدينية لتثبيت الوضع القائم، مع التركيز على الواقع الخليجي كنموذج تطبيقي معاصر. كما يسعى إلى ربط الاطار النظري الفيبري بممارسات السلطة السياسية في السياقات الدينية، مما يتيح فهما أعمق لطبيعة الشرعية في المجتمعات العربية وآليات انتاجها وإعادة انتاجها.
وبذلك، يسهم البحث في سد فجوة معرفية تتمثل في الحاجة إلى ربط النظرية الاجتماعية الغربية بالتطبيقات السياسية العربية، وتحليل الدور المتنامي للدين ليس بوصفه مكونا روحانيا فقط، بل كأداة استراتيجية لإدارة السلطة وتوجيه الوعي الجمعي.
مشكلة البحث
تمثل العلاقة بين السلطة السياسية والمؤسسة الدينية إحدى أكثر العلاقات تركيباً في بنية الدولة العربية المعاصرة، خصوصا في الدول التي يشكل فيها الدين مصدرا جوهريا للهوية الاجتماعية ومحددا رئيسيا للولاء السياسي. ورغم كثرة الدراسات التي تناولت العلاقة بين الدين والسياسة، إلا أن الإشكال الرئيس يبقى قائما في فهم الآليات الدقيقة التي تستخدمها الأنظمة السياسية لإدارة الشرعية عبر الدين، وكيف يتحول الخطاب الديني من منظومة قيم أخلاقية إلى أداة سياسية تستخدم لتثبيت الوضع القائم وإضفاء القداسة على السلطة.
تتجلى المشكلة بصورة أوضح في دول الخليج العربي، حيث تتداخل البنى القبلية والدينية والسياسية في نظام واحد، وتؤدي المؤسسات الدينية الرسمية، أو العلماء المرتبطون بالدولة، دورا مباشرا في انتاج خطاب يرسخ شرعية الحاكم ويؤطر الطاعة السياسية داخل سياق ديني. وعلى الرغم من وجود ممارسات موثقة لهذا التوظيف، إلا أن الدراسات الأكاديمية التي تربط هذه الممارسات بالإطار النظري الذي وضعه ماكس فيبر حول الشرعية التقليدية والدينية لا تزال محدودة.
من هنا، تتحدد مشكلة هذا البحث في السؤال الجوهري الآتي:
كيف تستخدم المؤسسة الدينية والخطاب الديني في دول الخليج كأدوات لإدارة الشرعية السياسية وتثبيت الوضع القائم، وذلك في ضوء مفاهيم الشرعية عند ماكس فيبر؟
كما تتفرع عن المشكلة عدة نقاط إشكالية إضافية:
ما هي طبيعة العلاقة البنيوية التي تجمع بين رجل السياسة ورجل الدين في الأنظمة الخليجية؟
كيف يتغير الخطاب الديني بما يخدم التحولات السياسية ومصالح الدولة؟
وهل يؤدي هذا التوظيف للدين إلى تعزيز استقرار طويل الأمد أم إلى شرعية هشة قابلة للتآكل؟
إن هذه الإشكالات تكشف الحاجة إلى تحليل يجمع بين النموذج النظري فيبر والنموذج التطبيقي دول الخليج لفهم ديناميات الشرعية في السياق السياسي العربي.
أسئلة البحث
السؤال الرئيس للبحث
كيف يوظف رجل السياسة في دول الخليج المؤسسة الدينية والخطاب الديني لإدارة الشرعية السياسية وتثبيت الوضع القائم، وذلك في ضوء مفاهيم الشرعية عند ماكس فيبر؟
الأسئلة الفرعية
1 ما طبيعة الشرعية السياسية كما يعرفها ماكس فيبر؟ وما هي أنواع الشرعية التي يقدمها التقليدية، الكاريزمية، القانونية/العقلانية؟ وكيف تتصل هذه الأنواع بالواقع السياسي في الدول الخليجية؟
2 ما هي البنى المؤسسية الدينية في دول الخليج؟ وكيف تشكلت تاريخيا؟ وما الدور الذي تؤديه في المجال السياسي؟
3 كيف تدار العلاقة بين رجل السياسة ورجل الدين في الأنظمة الخليجية؟ هل العلاقة تكاملية أم تبادلية أم تابعة؟ وما آليات الضبط التي تمارسها الدولة على الخطاب الديني؟
4 ما أهم أدوات توظيف الدين في الخطاب السياسي الخليجي مثل خطاب الطاعة، درء الفتنة، وحدة الجماعة، شرعية الاستقرار؟
5 كيف يتم ضبط الفتوى والمؤسسات الدينية الرسمية؟ وما أثر هذا الضبط على استقلالية العلماء؟ وكيف تسهم الفتوى الرسمية في تعزيز شرعية الدولة؟
6 إلى أي مدى يساهم هذا التوظيف للدين في تحقيق استقرار سياسي فعلي؟ وهل يعزز استقرارا طويل الأمد أم ينتج شرعية هشة تعتمد على موارد رمزية فقط؟
7 ما المخاطر أو الآثار الجانبية لاستخدام الدين في تثبيت السلطة على الدين كمؤسسة أخلاقية، وعلى المجال العام، وعلى العلاقة بين المجتمع والدولة؟
8 كيف تتوافق أو تتعارض الممارسات الدينية السياسية في الخليج مع نظريات الشرعية الحديثة؟ وأين يتقاطع نموذج الخليج مع المفهوم الفيبري وأين ينفصل عنه؟
فرضيات البحث
الفرضية الرئيسة
توظيف رجل السياسة في دول الخليج للعلماء والمؤسسات الدينية هو عملية منظمة تهدف إلى انتاج شرعية سياسية قائمة على النموذج التقليدي-الديني عند ماكس فيبر، بما يضمن تثبيت الوضع القائم والمحافظة على الاستقرار دون الحاجة إلى آليات تمثيل سياسي موسعة.
الفرضيات الفرعية
1 تستند الأنظمة الخليجية إلى الشرعية التقليدية وفق تصنيف فيبر، مع توظيف الخطاب الديني لتعزيز شرعية الحكم الوراثي والقبلي.
2 المؤسسة الدينية الرسمية في دول الخليج ليست مستقلة، بل تعاد صياغة دورها عبر الدولة بحيث تتحول إلى ذراع شرعي-رمزي يدعم السياسات العامة.
3 الخطاب الديني الرسمي في دول الخليج يعاد انتاجه باستمرار لخدمة هدف رئيس هو تأكيد الاستقرار السياسي وربط المعارضة أو الاحتجاج بالفتنة أو خلل الجماعة.
4 تنظيم الفتوى وتقييد الخطاب الديني الحر يؤدي إلى انسجام الخطاب الديني مع رؤية الدولة، لكنه يقلل من استقلالية العلماء ويحولهم إلى جزء من الجهاز السياسي.
5 وجود مؤسسات دينية مركزية ومنضبطة في دول الخليج يساهم في منع ظهور خطاب ديني مواز قد يزعزع شرعية الدولة، ويضمن توحيد المجال الديني.
6 كلما زادت سيطرة الدولة على الحقل الديني، زادت قدرتها على إدارة السلوك الاجتماعي والسياسي للمجتمع، خصوصا عبر مفاهيم الطاعة والنظام العام.
7 توظيف الدين في السياق الخليجي يساهم في الاستقرار السياسي على المدى القصير والمتوسط، لكنه قد ينتج هشاشة شرعية على المدى البعيد إذا ظهرت فجوة بين الخطاب الديني والواقع.
8 الشرعية الرمزية والدينية في الخليج تستخدم لتعويض محدودية المشاركة السياسية في بعض الدول، بحيث يصبح الدين بديلا عن الآليات التمثيلية الحديثة.
9 يزداد اعتماد الأنظمة الخليجية على الخطاب الديني كلما ازدادت التغيرات الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد تهدد الوضع القائم.
منهجيات البحث
1 المنهج الوصفي-التحليلي: وصف الظاهرة السياسية والاجتماعية القائمة وتحليلها، دراسة هيكلة السلطات الدينية والمؤسساتية في دول الخليج، والخطاب الديني الرسمي وعلاقته بالسياسات العامة.
2 المنهج المقارن: مقارنة بين الأنظمة المختلفة داخل دول الخليج لفهم التباين في درجة توظيف الدين، مثل السعودية، الإمارات، قطر، والكويت.
3 المنهج التاريخي: تتبع تطور العلاقة بين السلطة والدين عبر الزمن، دراسة الجذور التاريخية للشرعية الدينية في الخليج وتطور المؤسسات الرسمية.
4 تحليل الخطاب: دراسة المحتوى الخطابي والرسائل الرمزية للدين المستخدمة في تعزيز السلطة، تحليل خطب الجمعة، الفتاوى الرسمية، البيانات الإعلامية للسلطة، وتصريحات العلماء الرسميين.
5 مصادر البيانات: المصادر الأولية: مؤسسات دينية رسمية، خطب الجمعة، الفتاوى الرسمية، قوانين وأنظمة تنظيم المجال الديني.
المصادر الثانوية: كتب ودراسات سابقة حول الشرعية الدينية والسياسية، أعمال ماكس فيبر، وائل حلاق، عبد الله العروي، نصر حامد أبو زيد، عبد الجبار الرفاعي، وأبحاث أكاديمية وتحليلات منشورة عن السياسة الدينية في الخليج.
6 أسلوب التحليل: ربط النظرية بالواقع، التركيز على آليات التوظيف مثل المؤسسات الرسمية، العلماء الرسميون، الفتاوى، الخطاب الديني، ودراسة الآثار المترتبة مثل الاستقرار الاجتماعي والسياسي وتراجع الاجتهاد المستقل وفقدان الثقة بالمؤسسات.
الإطار النظري والدراسات السابقة
الإطار النظري
1 مفهوم الشرعية عند ماكس فيبر: الشرعية هي الاعتراف الاجتماعي بسلطة الحاكم ورضا الناس عن حكمه، وتصنف إلى ثلاثة أشكال:
الشرعية التقليدية: قوة مستمدة من العادات والتقاليد والموروث الثقافي والديني، مثال الطاعة للحاكم بسبب إرثه العائلي أو وضعه المقدس.
الشرعية الكاريزمية: قائمة على شخصية القائد الجذاب المؤثر، الذي يلهم الجماهير ويكسب طاعتهم بحضوره وشخصيته.
الشرعية القانونية-العقلانية: مبنية على القوانين والمؤسسات، وتستمد قوتها من الإجراءات النظامية المنظمة للسلطة.
2 أدوات توظيف الدين في تثبيت السلطة: المؤسسات الدينية الرسمية، الفتوى والخطاب الديني، العلماء الرسميون والرموز الدينية، خطاب الاستقرار ومنع الفتنة.
الدراسات السابقة
وائل حلاق ( الدولة المستحيلة)
عبد الله العروي (دراسة عن السلطة والدين)
نصر حامد أبو زيد (النص الديني والخطاب السياسي)
عبد الجبار الرفاعي ( الدين والبيروقراطية)
ماكس فيبر (السلطة والشرعية)
الإطار النظري والدراسات السابقة
بداية : الإطار النظري
أولا: مفهوم الشرعية عند ماكس فيبر
يُعد ماكس فيبر مرجعاً أساسياً لفهم العلاقة بين السلطة والقبول الاجتماعي. ويعرّف الشرعية بأنها الاعتراف الاجتماعي بسلطة الحاكم ورضا الناس عن حكمه. ويصنّف فيبر الشرعية إلى ثلاثة أشكال رئيسية:
الشرعية التقليدية: تستمد قوتها من العادات والتقاليد والموروث الثقافي والديني. مثال ذلك الطاعة للحاكم بسبب إرثه العائلي أو وضعه المقدس في المجتمع. أهمية هذا النوع للبحث تظهر في القدرة على توظيف المرجعية الدينية التقليدية لإضفاء قداسة على السلطة وتثبيت الوضع القائم.
الشرعية الكاريزمية: قائمة على شخصية القائد الجذّاب والمؤثر الذي يُلهم الجماهير ويكسب طاعتهم بحضوره وشخصيته. توضح هذه الشرعية كيف يمكن للقائد السياسي استثمار الرموز الدينية أو العلماء لتعزيز حضوره وكاريزمته.
الشرعية القانونية–العقلانية: مبنية على القوانين والمؤسسات، وتستمد قوتها من الإجراءات النظامية المنظمة للسلطة. يظهر هذا النوع الفرق بين الشرعية المبنية على القوانين والشرعية المبنية على الدين، وهو ما يفسر اللجوء إلى الدين كآلية لتعويض نقص الشرعية المؤسسية أو المشاركة السياسية.
ثانيا: أدوات توظيف الدين في تثبيت السلطة
يمكن للسياسي توظيف الدين عبر عدة وسائل عملية، أبرزها:
1 المؤسسات الدينية الرسمية: تمثل وسطاء شرعيين ينقلون خطاب الدولة إلى الجمهور، مثل وزارة الأوقاف أو المجالس العلمية. تعمل على ضبط الخطاب الديني ومنع الانحرافات التي قد تُزعزع الوضع القائم.
2 الفتوى والخطاب الديني: تُستخدم لتبرير سياسات محددة وصياغة فهم ديني للقوانين والقرارات السياسية، مما يحوّل الدين إلى أداة رمزية تعزز الطاعة والاستقرار.
3 العلماء الرسميون والرموز الدينية: يُمنح لهم دور علني في الإعلام والمناسبات الرسمية لإضفاء مصداقية أخلاقية للسياسة، ما يعكس ما يسميه فيبر “رأس المال الرمزي”.
4 خطاب الاستقرار ومنع الفتنة: يركّز على الوحدة الوطنية، الامتناع عن التغيير الجذري، ورفض المعارضة السياسية بوصفها تهديداً للفوضى أو “الفتنة”.
ثالثا: الدراسات السابقة في السياق العربي والإسلامي
وائل حلاق – الدولة المستحيلة: أوضح أن الدولة الحديثة تستفيد من الرمزية الدينية لتثبيت الحكم دون استنساخ الشرعية الإسلامية التاريخية.
عبد الله العروي – السلطة والدين: أكد أن الشرعية الدينية كانت تاريخياً أداة لتثبيت الحكم وإضفاء القداسة على السلطة.
نصر حامد أبو زيد – النص الديني والخطاب السياسي: حذّر من انتقائية التفسير الديني المستخدمة لخدمة المصالح السياسية، موضحاً كيف يمكن استغلال النصوص الدينية لتوجيه السلوك السياسي والاجتماعي.
عبد الجبار الرفاعي – الدين والبيروقراطية: ناقش فكرة تحويل الفتوى إلى جزء من بيروقراطية الدولة، ما يضعف استقلالية العلماء ويحوّل الدين إلى أداة للسلطة.
ماكس فيبر – السلطة والشرعية: قدم الإطار المفاهيمي لفهم العلاقة بين السلطة والدين، خصوصاً مفهوم الشرعية التقليدية والرمز الديني المستخدم لتعزيز القبول الاجتماعي للسلطة.
ثانياً: خلاصة الإطار النظري
الشرعية الدينية التقليدية أداة رئيسية يستخدمها السياسي لتثبيت الوضع القائم عند غياب الشرعية القانونية أو المشاركة المجتمعية.
العلماء الرسميون والخطاب الديني والفتوى هي وسائل عملية لتطبيق هذه الشرعية.
الدراسات السابقة أكدت المخاطر الاجتماعية والسياسية لدمج الدين بالسياسة: تراجع الاجتهاد الحر، فقدان الثقة، وخلط المجال الديني بالمصالح السياسية.
الفصل التطبيقي: الدراسة التحليلية – (نموذج دول الخليج)
أولا: مدخل عام
تمثل دول الخليج نموذجاً حياً لكيفية توظيف السياسي لرجل الدين في تثبيت السلطة. يكتسب هذا النموذج أهميته من:
طبيعة المجتمعات الخليجية التقليدية القبلية والدينية.
هيمنة العائلات الحاكمة تاريخياً على السلطة السياسية.
قدرة النخب الدينية على منح الشرعية الرمزية للسلطة.
هذا النموذج يعكس عمليا ما تحدثت عنه الدراسات السابقة ونظرية ماكس فيبر حول الشرعية التقليدية، حيث يُستثمر الدين لإضفاء قداسة على السلطة واستقطاب قبول اجتماعي واسع.
ثانيا: المؤسسات الدينية الرسمية كدعامة للشرعية
تعمل المؤسسات الدينية الرسمية في دول الخليج كوسيط شرعي لنقل خطاب الدولة إلى الجمهور.
الأدوار الأساسية تشمل:
تأكيد قيمة الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية.
شرعنة السياسات العامة من خلال خطاب ديني مضبوط.
تعزيز طاعة ولي الأمر وربطها بالشرعية الدينية.
تصوير المعارضة كخطر على “الفتنة” والوحدة.
ثالثا: ضبط الفتوى وإدارتها
وجود مؤسسات رسمية مخولة بإصدار الفتاوى، مع منع الاجتهادات الفردية التي قد تخلق انقسامات اجتماعية.
ربط الفتوى برؤية الدولة لضمان انسجام الخطاب الديني مع السياسية.
رابعا: صناعة العلماء الرسميين وإدارة المكانة الرمزية
إستراتيجيات الدولة تشمل تكريم العلماء الموالين للسلطة وإبرازهم إعلامياً ومنحهم أدوار رمزية في التوجيه الديني والاجتماعي.
التحليل: يعكس مفهوم فيبر عن “رأس المال الرمزي”، حيث يصبح العالم الرسمي وسيطاً بين السلطة والجمهور، ويمنح الحاكم بعداً أخلاقياً وشرعياً.
خامسا: توظيف خطاب الاستقرار ومنع الفتنة
الخطاب السائد يركز على الامتناع عن الفوضى السياسية، درء الفتنة والحفاظ على الوحدة الوطنية، ورفض الاحتجاجات كخطر على النسيج الاجتماعي.
التحليل: يجسد الربط بين القوة والقداسة حيث يُستخدم الخطاب الديني لإضفاء شرعية رمزية على السياسة وإقناع المجتمع بأن الطاعة للحاكم واجبة شرعاً وأخلاقيا.
سادسا: قراءة فيبرية للنموذج الخليجي
المجتمعات الخليجية التقليدية تعتمد على الشرعية التقليدية القائمة على الدين والتقاليد.
السياسي يستخدم المؤسسة الدينية الرسمية لإنتاج قبول اجتماعي واسع.
الفتاوى والخطاب الرسمي يعملان كوسيط شرعي، يعكس رأس المال الرمزي للدين.
الشرعية الدينية تعوض أحيانا عن غياب المشاركة السياسية أو المؤسسات التمثيلية القوية..
سابعا : دوافع توظيف الدين
1 الإستقرار الداخلي في مجتمعات تقليدية قبلية ودينية.
2 تعزيز مكانة الدولة كحامية للقيم الدينية.
3 تأمين الولاء العام عبر خطاب جماهيري موحد.
4 توجيه المجال الديني بما يخدم السياسة وتحييد الخطاب المعارض.
5 منع ظهور منافذ قد تهدد السلطة أو الاستقرار.
ثامنا : الآثار الإجتماعية والسياسية
إيجابيات محتملة: الحفاظ على السلم الاجتماعي، الحد من الفوضى الدينية والسياسية، ترسيخ قيم الطاعة والانضباط الاجتماعي.
سلبيات محتملة: تراجع الاجتهاد الديني الحر، خلط الدين بالسياسة، فقدان الثقة في العلماء إذا أصبحوا جزءاً من السلطة، تحويل الدين إلى أداة سياسية أكثر من كونه منظومة قيمية مستقلة.
تاسعا : خلاصة الفصل
السياسي في دول الخليج يوظف الشرعية التقليدية وفق فيبر.
يُستثمر رأس المال الرمزي للدين عبر العلماء الرسميين والخطاب الديني الرسمي.
الفتاوى والخطاب المؤسساتي يعززان قبول المجتمع للسياسة، ويثبتان الوضع القائم.
النموذج الخليجي يقدم مثالا معاصرا وموثوقا على استخدام الدين كأداة لإدارة الشرعية، ويخدم العنوان الرئيسي للبحث بشكل مباشر.
الخاتمة
توظيف رجل الدين من قبل السياسي لتثبيت الوضع القائم يمثل أحد أبرز أشكال التداخل بين الدين والسياسة في المجتمعات التقليدية والمعاصرة. يشمل هذا التوظيف المؤسسات الدينية الرسمية، الفتوى المنظمة، وصناعة العلماء الرسميين، وكلها أدوات تمكّن السلطة من إدارة الشرعية الاجتماعية والسياسية وتحقيق الاستقرار.
الإستنتاجات:
1 الدين يستخدم كأداة لإضفاء الشرعية الرمزية على السلطة وليس كمرجع مستقل للحكم.
2 المؤسسات الدينية الرسمية تتحول إلى أدوات سياسية، مما يضعف النقد الداخلي ويحد من الاجتهاد الحر.
3 الاستقرار السياسي قصير-متوسط المدى غالبا ما يقابله ضعف الشرعية الأخلاقية للمؤسسات الدينية على المدى الطويل.
4 السياسة الذكية تعتمد على إدارة العلاقة بين الدين والسلطة بشكل منهجي، مستندة إلى رأس المال الرمزي والشرعية التقليدية، كما توضح التجربة الخليجية.
التوصيات:
فصل الوظائف بين السياسة والدين لضمان استقلالية العلماء.
حماية الاجتهاد الديني والنقد البناء للسلطة لضمان مصداقية الدين ومؤسساته.
إستخدام الدين كمصدر للقيم والمبادئ، لا كأداة لفرض الطاعة أو تثبيت السلطة.
دراسة التجارب العملية لنماذج أخرى لتعميم الدروس المستفادة على السياقات العربية والإسلامية المختلفة….








