إرباكات مشروع “إسرائيل الكبرى”

فتحي أحمد

إسرائيل الكبرى هي حلم الفكرة الصهيونية، وهي أمل اليمين المسيحي المتطرف لتحقيق نبوءة “نزول المسيح”. الكاتب والسياسي الإسرائيلي آفي ليبكين قال “إن حدود إسرائيل ستمتد من لبنان إلى السعودية، وذلك بعد ضم مكة المكرمة والمدينة المنورة وسيناء”. وأضاف ليبكين في مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي “أعتقد أن حدودنا ستمتد في نهاية المطاف من لبنان إلى الصحراء الكبرى، أي المملكة العربية السعودية، ثم من البحر الأبيض المتوسط إلى الفرات. وعلى الجانب الآخر من الفرات سيكون الأكراد، والأكراد أصدقاؤنا في التوراة أرض إسرائيل الكبرى، وقد أسند هذا التفسير إلى التوراة مقتبساً عبارة “لأطردنهم من أمامك في سنة واحدة، لئلا تصير الأرض خربة، فتكثر عليك وحوش البرية، قليلاً قليلاً أطردهم من أمامك إلى أن تثمر الأرض، وتملكها ولكن الرب إلهك يطرد هؤلاء الشعوب من أمامك ويدفعه الرب إلهك أمامك، ويوقع بهم اضطرابا عظيما حتى يفنوا”.

إسرائيل المهيمنة

المشروع الصهيوني منذ بداياته الأولى كان يطمح إلى إعادة إقامة مملكة داود وسليمان (التي لا وجود لها إلا في الأساطير) على أرض ادّعى الصهاينة أنها من دون شعب، ليشيّدوا عليها دولة ذات شأن كبير على مستوى العلاقات الدولية، ولا يتحقق ذلك إلا إذا تحقق مشروع إسرائيل الكبرى، وأصبحت إسرائيل القوة المهيمنة في الإقليم. فرواد الصهيونية (الذين كانوا من الأوروبيين) قد تعرّفوا قبلنا على نظرية المجال الحيوي في الجغرافيا السياسية. والقادة في إسرائيل لم يتنازلوا يوما عن هذا المشروع، مهما اختلفوا حول السبل التي يتوسّلونها أو حول الوتيرة التي يسيرون بها من أجل إنجاحه، وتحويل الحلم إلى حقيقة.

شرق أوسط اقتصادي

مما تقدم نجد أن الفكر الصهيوني العلماني والديني ما زال يقوم على “إسرائيل الكبرى”، ولكن هنالك اختلاف في المفاهيم بين جهة وأخرى، إذ نجد أن حزب العمل في أوج قوته كانت له نظرة مغايرة عما يطرحه اليمين الديني، فهناك سلام يقوم على “سلام مقابل سلام”، أي سلام مع الدول العربية برمتها، دون تقديم تنازل للفلسطينيين، وإلغاء فكرة دولة فلسطينية على حدود 67، وتقويض الحل المستند إلى الشرعية الدولية.

 

وهناك سلام اقتصادي تعود جذوره إلى جناح من قيادة حزب العمل الإسرائيلي الذي وضع رؤية وتصوراً لعملية التسوية وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، تحت شعار عملية السلام والتعاون الاقتصادي في إطار مشروع بناء إقليمي جديد. وقد عبّر عن هذا المشروع وتولى التنظير والترويج له وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شمعون بيرس، ونائبه يوسي بيلين، حيث توقع شمعون بيرس ولادة شرق أوسط جديد تسوده الرفاهية والازدهار، وذلك في كتابه الذي صدر بالتزامن مع مؤتمر مدريد في خريف 1993، بعنوان “الشرق الأوسط الجديد”.

 

ومن بين أهداف الخطة إحداث تحول باتجاه تمكين القطاع الخاص من قيادة عملية النمو والتطور الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، من خلال التركيز على تطوير الصناعات الرئيسية للقطاع الخاص. واعتبرت الخطة أن تطوير قطاع غزة والمنطقة “ج” هو أهم أجزاء هذه الخطة “المبادرة الاقتصادية”، وذلك من خلال تطوير البنية التحتية في مجال المياه والطاقة في المنطقتين، واستكمال مشاريع الصرف الصحي وسط وشمال قطاع غزة، وإقامة مشاريع تحلية مياه البحر، وإنشاء محطة توليد كهرباء في الضفة الغربية.

على ما يبدو ثمة عراقيل تحول دون تحقيق ما جاءت به التوراة “إسرائيل الكبرى”، فهذا الحلم من وحي الخيال، ولا يقبله العقل البشري، أي أن حفنة من اليهود تقرر مصير ما يقارب من 400 مليون عربي على امتداد الوطن العربي الكبير، وهذا بحد ذاته جنون بكل المقاييس، فعندما يطرح مشروع “إسرائيل الكبرى” أمام العالم نجد أن مجرد طرحه لا يلاقي القبول والأصغاء إليه.

كيان هش فكرياً

لم يعد خافياً أنّ إسرائيل تعيش حالة من “التدافع” بين عناصر قوّتها، وبين المخاطر والتهديدات المتصاعدة؛ إذ إنه لم يعد قادرًا على تحقيق مزيد من الصعود، كما أنّ عناصر الشد إلى أسفل قوتها في تزايد، ولن تلبث طويلًا حتى تبدأ مظاهر التراجع بالبروز، فهناك العقبات التي تعترض وتحول دون تحقيق حلم ما يسمى “إسرائيل الكبرى” مثل المد الجماهيري العربي والوعي بالقضية الفلسطينية، خصوصا بعد 7 أكتوبر، وقد عرفت الشعوب العربية والإسلامية تاريخ القضية الفلسطينية وهذا بحد ذاته طريق مسدود أمام أحلام الحركة الصهيونية والصهيونية الدينية . كما أن الأمن الإسرائيلي أصيب في مقتل، في عدد من المحطات أهما احداث 7 أكتوبر بعد استهداف العمق الإسرائيلي، فضلا عن الضعف الملحوظ في الروح المعنوية التي سكنت الأجيال الإسرائيلية.

الخلاصة: إن الظروف الذاتية والموضوعية على ما يبدو استبدلت نظرية مشروع “إسرائيل الكبرى” جغرافياً، بمشروع “إسرائيل العظمى”، اقتصادياً وسياسياً وتكنولوجياً بحيث يستطيع النفوذ والسيطرة الاقتصاديان أن يحققا الأهداف الصهيونية بصورة أكثر رسوخاً وأطول عمراً، وأقل كلفة وخسارة بشرية. لهذا سقطت نظرية “إسرائيل الكبرى” إلى الابد، فهل أصبحت الصهيونية الدينية تعي ذلك؟

إسرائيل تعيش حالة من “التدافع” بين عناصر قوّتها، وبين المخاطر والتهديدات المتصاعدة؛ إذ إنه لم يعد قادرًا على تحقيق مزيد من الصعود، كما أنّ عناصر الشد إلى أسفل قوتها في تزايد

شاهد أيضاً