إرهاب الدولة الإسرائيلي واختراق السيادة القطرية

كتبت د. دلال صائب عريقات

لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير الذي طال الأراضي القطرية مجرد حدث عابر يمكن تفسيره باعتباره “استهدافًا لحركة حماس” كما تدّعي إسرائيل. في العلاقات الدولية، اللغة لها معنى، والسيادة لها قدسية، والقانون الدولي يضع حدودًا فاصلة بين الدولة واللاعبين من غير الدول. إن محاولة تبرير استهداف قطر بذريعة ضرب “حماس” لا تعدو كونها خطابًا عبثيًا يهدف إلى التملص من المسؤولية القانونية والسياسية، وإلى شرعنة إرهاب دولة منظم بات نهجًا راسخًا في سلوك الاحتلال الإسرائيلي.

إسرائيل اخترقت سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، ودولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، بل ووسيط أساسي في مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية. هذا ليس مجرد انتهاك للقانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة، بل هو اعتداء مباشر على منظومة الأمن الجماعي. في العلاقات الدولية، استهداف دولة ذات سيادة، بغض النظر عن المبررات، يرقى إلى عمل عدواني يستوجب الرد.

إرهاب الدولة المنظم: سياسة الاغتيالات ليست جديدة في سجل إسرائيل؛ إنها عقيدة ممنهجة تمارسها الدولة العبرية منذ نشأتها. من بيروت إلى تونس، ومن دمشق إلى طهران، واليوم إلى الدوحة، يتكرر المشهد: اغتيالات خارج الحدود، ضربات جوية وصاروخية، كلها تعكس إرهاب دولة ممنهج، وليس مجرد “عمليات أمنية محدودة”. ما يجري اليوم هو تكريس لمعادلة القوة الغاشمة: لا احترام للسيادة، لا التزام بالقانون الدولي، ولا اكتراث لميثاق الأمم المتحدة. وفق القانون الدولي، ميثاق الأمم المتحدة يحظر بشكل واضح استخدام القوة ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي. كما أن مبدأ الحصانة الدبلوماسية والسيادة الوطنية محمي بموجب الاتفاقيات الدولية. ما قامت به إسرائيل يعد خرقًا صريحًا لكل ذلك. الأخطر أن هذا العدوان جاء ضد دولة تقوم بدور الوسيط، أي أن إسرائيل لم تكتفِ بانتهاك السيادة، بل وجهت رسالة إلى العالم أن لا حصانة لأحد، حتى للدول التي تبذل جهدًا لصناعة السلام.

المعضلة الكبرى تكمن في أن استمرار إسرائيل في الإفلات من العقاب هو ما يفتح لها الباب لمواصلة عدوانها. من غزة إلى الضفة الغربية، ومن لبنان إلى سوريا، وصولًا إلى اليمن والآن قطر، نجد أن الدولة العبرية تنفذ عمليات عسكرية تتراوح بين جرائم إبادة جماعية في غزة، وإرهاب استيطاني في الضفة، واعتداءات متكررة على سيادة دول المنطقة. إن لم يتم لجم إسرائيل ومساءلتها وفق القانون الدولي، فإن السؤال ليس ما إذا كانت ستكرر هذه الأفعال، بل متى وأين ستكررها.

قطر وسيط فاعل يتمتع بمرونة سياسية، موارد داعمة، وقدرة على بناء جسور الحوار في صراعات تمتد من غزة إلى كولومبيا، ومن أفغانستان إلى أوكرانيا, تواطؤ الولايات المتحدة أو صمتها يفاقم المأساة. فالدوحة ليست فقط دولة خليجية، بل أيضًا حليف استراتيجي لواشنطن ووسيط رئيسي في ملفات المنطقة والصراعات الدولية. برزت قطر خلال العقدين الأخيرين كأحد أهم الوسطاء في العالم، إذ راكمت سجلًا حافلًا من النجاحات في الشرق الأوسط من خلال دورها في اتفاق الدوحة 2008 الذي أنهى أزمة لبنان، ورعايتها اتفاق دارفور 2011 في السودان، ومحاولاتها في ليبيا واليمن، إضافة إلى وساطاتها المتكررة بين إسرائيل وحماس في غزة. وعلى الصعيد الدولي، احتضنت الدوحة مفاوضات طالبان–الولايات المتحدة التي أثمرت عن اتفاق 2020، كما ساهمت في ملفات بالغة الحساسية مثل البرنامج النووي الإيراني وتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا. وإلى جانب ذلك، امتد الدور القطري إلى أمريكا اللاتينية عبر دعم مسار السلام في كولومبيا والتواصل بين حكومة فنزويلا والمعارضة. عندما تتغاضى واشنطن عن جريمة بهذا الحجم، فإنها عمليًا تشرعن سلوكًا شاذًا يقوض مبادئ القانون الدولي، ويعرض النظام الدولي لاهتزاز خطير.

إن ما جرى مع قطر ليس حادثًا منفصلًا، بل حلقة جديدة في مسلسل إرهاب الدولة الإسرائيلي. الرد لا بد أن يكون عربيًا وخليجيًا ودوليًا، يتجاوز الإدانة إلى الفعل، عبر تفعيل أدوات القانون الدولي، وممارسة ضغط سياسي واقتصادي حقيقي يضع حدًا للإفلات من العقاب.

إن لم يتم الرد اليوم، فغدًا قد تكون أي دولة عربية أخرى هدفًا، ما دام الاحتلال يمارس إرهاب الدولة بلا رادع، وما دامت العدالة غائبة. وكما أن جريمة الإبادة في غزة لم تجد بعد رادعًا دوليًا، فإن استهداف قطر يجب أن يكون جرس إنذار: إسرائيل تمارس إرهاب دولة منظم، وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي، فإن النظام الدولي نفسه سيكون الضحية التالية.