لم يشكل سقوط نظام الأسد في سوريا الأسبوع الماضي ضربة قوية لمحور المقاومة ولخطة حلقة النار التي طوّرها قاسم سليماني، واستتمرت فيها إيران كثيراً من جهدها ومالها وحسب، بل شكل كذلك ضربة قوية ومؤلمة لاستراتيجية روسيا والصين في منافستهما للولايات المتحدة الأمريكية حول النظام العالمي الجديد، إذ شكلت سوريا بقيادة بشار الأسد حلقة أساسية لكلٍّ من محور المقاومة بزعامة إيران، وللقوى العظمى المنافسة لأمريكا في قيادة النظام العالمي.
وعلى الرغم من شح المعلومات الموثقة التي توضح ما جرى وأدى إلى سقوط النظام وتفكك الجيش السوري بهذه السرعة، فإنه من غير المتوقع أن يحافظ النظام الجديد الذي سينشأ في سوريا على تموضع البلاد كما كان في عهد الأسد، الأمر الذي زاد من حالة النشوة التي تشعر فيها إسرائيل بزعامة نتنياهو، لا سيما بعد الضربات المؤلمة التي وجّهها جيش الإبادة الإسرائيلي لكل من حزب الله في لبنان، ولا يزال يوجهها للشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة.
وفي هذا الشأن، لم يُخفِ أصحاب الرأي في روسيا، وعلى رأسهم الفيلسوف الروسي إلكسندر دوجين، كم كانت الضربة في سوريا موجعة ومؤلمة لروسيا واستراتيجيتها نحو النظام العالمي الجديد، إذ يجادل دوجين بأن روسيا بدون سوريا في الشرق الأوسط في هذه اللحظة من الزمن تصبح لاعباً ثانوياً في التأثير العالمي، لا سيما في حسابات القادم الجديد للبيت الأبيض (دونالد ترمب)، فيما يؤكد دوجين أن الإسراع في اسقاط نظام الأسد كان خطة لبايدن وإدارته المتمسكة بفكرة وفلسفة (العولمة) لإرباك ترمب ورؤيته القائمة على (ما بعد العولمة) في مقالة له نشرت يوم الأربعاء الموافق 11/12/2024 وحملت عنوان (روسيا تفقد سوريا).
وحول الشرق الأوسط، لا يرى دوجين أن هناك مخرجاً في الأمد القريب، فالوضع سيتفاقم حتى يصل إلى نقطة حرجة.
وفي سياق الشرق الأوسط، يرى الخبير الجيوسياسي الأمريكي المعروف (جورج فريدمان) أن انهيار نظام الحكم في سوريا فتح المجال أمام نشوب حروب جديدة في المنطقة، وذلك في مقالة له نُشرت على موقع المستقبل الجيوسياسي يوم الأربعاء الموافق 11/12/2024 وحملت عنوان (ضعف المقاربة الإسرائيلية في التعامل مع الحرب).
ويجادل فريدمان بأنه على الرغم من أن إسرائيل هي القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة، فإن ظهور أبعاد جديدة للصراع يفرض على إسرائيل فحص إذا ما كانت لديها القدرة على الاستمرار في فرض إرادتها على أعدائها على مساحةٍ أكبر من الأرض.
ويضيف فريدمان أن فشل إسرائيل في غزة في حربها على حماس يُعد الدليل الأبرز على عدم جدوى الاستراتيجية العسكرية في مواجهة أعداء إسرائيل في المنطقة، وإذا نظرنا إلى المستقبل -والقول لفريدمان- فإن السؤال هو: إلى أين يتجه الجيش الإسرائيلي؟
وفي محاولته الإجابة عن هذا السؤال، يقول فريدمان: يبدو أن الحل مخيفاً؛ فإسرائيل سوف تستمر في هذه الاستراتيجية لأنها ببساطة تفهمها بشكل أفضل. ويختم فريدمان بالقول: “أنا غير مقتنع بأن القوات الإسرائيلية قادرة على تنفيذ هجمات متكررة لا نهاية لها في حروب هذا العصر، فإسرائيل غير قادرة على على تغيير فهمها للحرب لتحقيق قدر من النصر، بغض النظر عما تقوله حكومتها”.
ما تقدّمَ يُظهر أن الإبادة التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين هي الاستراتيجية التي لا تجيد إسرائيل غيرها، والتي يبدو أنها ستتمسك بها أكثر في ظل إدارة ترمب المقبلة، وهذا سيضع العالم برمته وليس فقط الشرق الأوسط في فوضى دموية، الأمر الذي يؤكد أن العالم بحاجة لقيادة مختلفة عما يفعله الغرب الذي صنع إسرائيل في المنطقة، ولا يزال يدعم إبادتها الشعب الفلسطيني.