السياسي – ما زال القرار الألماني الأخير الرافض لحرب الإبادة الجارية في غزة تثير ردود فعل اسرائيلية غاضبة، لأنه بعد ثمانين عامًا من إغلاق أبواب معسكرات النازية فيها، تُشير ألمانيا أن إحياء ذكرى الهولوكوست لا يوفر حصانة تلقائية للاحتلال الاسرائيلي من الضغط الشعبي المتفاقم لديها ضده، لأن الصور المريعة القادمة من غزة، وعُرضت على شاشات برلين، والتصريحات غير المسؤولة من دولة الاحتلال، والضغط الجماهيري الداخلي، كلها عوامل كافية لدفع المستشار الألماني لاتخاذ قراره بوقف المساعدات العسكرية للاحتلال.
وأكدت أنتونيا يامين الكاتبة في موقع القناة 12، ومراسلتها في برلين، أنه “على مدار شهور، حاول المستشار الألماني فريدريش ميرز التوفيق بين التضامن التاريخي مع إسرائيل، والضغط الداخلي المتزايد لديه من الجمهور ووسائل الإعلام والنظام السياسي، لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه جرائمها في غزة، حتى جاء قراره المثير بتعليق جزئي لتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية إليها، مما حمل رسالة واضحة مفادها أن ألمانيا لم تعد مستعدة لتقديم الدعم التلقائي للاحتلال، حتى في حرب بدأت في أعقاب هجوم الطوفان”.
وأضافت في مقال أن “هذه خطوة تُشكّل زلزالًا حقيقيًا: سياسيًا وعسكريًا، فألمانيا، ثاني أهم مورد أسلحة لجيش الاحتلال بعد الولايات المتحدة، وطالما كانت لسنوات بمثابة ركيزة للدعم السياسي والأمني لإسرائيل، خاصة في الساحة الأوروبية، حيث تواجه صعوبة في إيجاد أصدقاء، وقد يؤثر هذا التعليق على مشاريع أمنية وعسكرية أساسية مثل توريد الغواصات والذخيرة الدقيقة ومكونات الأسلحة المتقدمة، وبالطبع تجديد المخزونات الحيوية لجيش الدفاع”.
وأوضحت أن “البيان الصادر عن مكتب المستشار أشار بوضوح أن قرار مجلس الوزراء الأمني بتوسيع العملية العسكرية في غزة، وما تفهمه ألمانيا على أنه احتلال للقطاع، دفعه لاتخاذ هذا القرار المثير للجدل، لأنه في ألمانيا عام ٢٠٢٥ من المستحيل تصوير أطفال قتلى صغار في غزة على الصفحة الأولى من الصحف، وفي الوقت ذاته مواصلة إرسال الأسلحة إلى دولة تهدد علنًا بإعادة احتلال القطاع بأكمله”.
وبينت أنه “في نهاية المطاف، تغمر الأخبار في ألمانيا كل مساء صور غزة، التي تُظهر في معظمها أطفالًا جائعين، وطوابير خبز، وبنية تحتية مدمرة، ويُلحّ الجمهور، وتطرح وسائل الإعلام أسئلةً مُلحّة، ولم يعد من الممكن تجاهلها في برلين، لكن هذه المرة، لا يقتصر الأمر على الصور فحسب، حيث أرسل وزير خارجيته إلى تل أبيب للحصول على صورة كاملة من الميدان”.
وأوضحت أن “التصريحات التي صدرت مؤخرًا عن كبار وزراء حكومة نتنياهو، بما فيها دعوات “احتلال غزة بأكملها”، و”إعادة استيطان شمال القطاع”، و”استعادة السيادة الإسرائيلية” تُعتبر في ألمانيا دليلًا على عدم وجود نية حقيقية للتمييز بين حماس والمدنيين، وهذا ليس تفسيرًا صحفيًا، بل تصور حكومي، ولذلك حذّرت وزارة خارجيتها في الأسابيع الأخيرة أن سياسة إسرائيل “مُبالغ فيها”، وأنه يفقد شرعيته الدولية”.
وأضافت أن “مما يزيد من إثارة هذا القرار “الصدمة” من وجهة النظر الاسرائيلية هو طريقة اتخاذه، حيث لم يتشاور المستشار، ولم يسأل، ولم يُبلغ حتى مُقرّبيه، حتى وزراء حزبه فوجئوا، ولذلك فقد وُلد القرار في مكتبه تحت ضغط شعبي كبير، وصور صادمة من غزة، وتصريحات غير مُتصوّرة من وزراء الحكومة، وأقرّ مسؤولون كبار في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) بأنهم سمعوا عن الحظر من وسائل الإعلام”.
ورأت أن “بعض الوزراء الألمان غاضبون، وبعضهم مُحرج، وبعضهم يُؤيّد هذا الحظر، ويُقدّم الآن تفسيرات مُتلعثمة في وسائل الإعلام الألمانية، ورغم أن القرار قد يمثل تغييرًا في السياسة الألمانية تجاه إسرائيل، فإنه أيضاً يعكس تغييرًا في صورة المستشار نفسه، الذي انتُخب بصورته كداعمٍ واضحٍ للاحتلال، وأعلن في اليوم التالي لانتخابه عزمه دعوة نتنياهو لألمانيا، رغم مذكرة التوقيف الصادرة بحقه، لكنه يضطر الآن للموازنة بين التزامه التاريخي، وبين القيم التي قامت عليها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية من حقوق الإنسان ومنع وقوع كارثة إنسانية”.
وأشارت إلى أن “حكومة نتنياهو تحاول التقليل من شأن الخطوة الألمانية، والحديث عن تعليق مؤقت، لكنها يُدرك المعنى جيدًا، فعندما تُعلق ألمانيا صادرات الأسلحة، ولو جزئيًا، فإنها تُشير إلى أوروبا بأسرها بأن إسرائيل لم تعد الجانب العادل تلقائيا، كما يُشير أن حدود الدعم بدأت تضيق، حتى أقرب حلفائه ليسوا على استعداد لتقديم شيك على بياض، والخلاصة واضحة ومؤلمة ومفادها أن إسرائيل في خضم أزمة سياسية عميقة مع إحدى الدول القليلة التي اعتُبرت غير قابلة للنقاش في دعمها”.
وختمت بالقول إن “خطوة ألمانيا ليست مجرد تعبير عن ألم أخلاقي، بل تحذير استراتيجي، لأنه إذا تراجعت ألمانيا عن دعم إسرائيل، فمن سيكون التالي في الدور، وإذا ظنّ أحدٌ في تل أبيب أن إعلان احتلال غزة لن يُنشئ صفعةً سياسيةً، فهو الآن يتلقى تذكيرًا مؤلمًا، حتى لو رُفع التعليق في نهاية المطاف، فقد لحق ضررٌ بالغٌ هنا، ولم يعد الأمر يتعلق بـ”هل يدعم الغرب إسرائيل؟”، بل “إلى متى؟”، ولم يعد هذا اعتبارًا تكتيكيًا، بل تهديدًا استراتيجيًا”.