إسرائيل تصعّد وتيرة التهجير القسري في غزة

السياسي – في مشهد مأساوي متكرر، اضطر عشرات الآلاف من الفلسطينيين، في الساعات 24 الأخيرة، إلى الفرار من الأحياء الشرقية لمدينة غزة، بعد تلقيهم تحذيرات إسرائيلية من هجوم عسكري وشيك “سيتصاعد ويتكثف” ويمتد غرباً نحو قلب المدينة.

ونشرت قوات الاحتلال رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تحثّ سكان مناطق مكتظة على إخلاء منازلهم والتوجه جنوباً نحو منطقة المواصي الساحلية، وهي بقعة ضيقة ومكتظة أصلاً ولا تتوفر فيها بنية تحتية كافية لاستيعاب مزيد من النازحين، بحسب ما أبرزت صحيفة الغارديان البريطانية.

ونقلت الصحيفة عن شهود عيان إن مشاهد الفوضى عمت شوارع غزة، حيث هرعت عائلات بأكملها لجمع ما تبقى لها من متاع وطعام، محمّلةً أمتعتها على عربات تجرها الحمير أو دراجات أو سيارات متهالكة، وسط أجواء يلفّها الخوف والقلق.

هذا النزوح الأخير يأتي في وقت تعاني فيه غزة من أزمة إنسانية طاحنة، بلغت ذروتها بمجاعة تهدد حياة مئات الآلاف. فقد تسببت حرب الإبادة المستمرة منذ 20 شهراً في تدمير شبكات الإمداد بالغذاء والمياه والدواء، ودفعت السكان إلى حافة الهلاك.

وتتوالى التقارير عن سقوط ضحايا مدنيين جراء الغارات الجوية والقصف المدفعي. ففي حي الزيتون شرقي مدينة غزة، قتلت غارة إسرائيلية طفلين أثناء نومهما في منزلهما فجر الأحد، بحسب ما أفاد المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل.

أحمد عرار (60 عاماً)، من سكان جباليا، قال إن منزله دُمر بالكامل بعد تلقيه مكالمة تحذيرية من شخص عرّف عن نفسه بأنه ضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي يبلغه بقصف وشيك. وأضاف بصوت مرتعش: “لم نعد نملك شيئاً… لا بيت ولا طعام ولا أمان”.

ويرى مراقبون أن استراتيجية جيش الاحتلال الإسرائيلي القائمة على إصدار تحذيرات للسكان لإخلاء مناطقهم لا تختلف، في آثارها المدمرة، عن التهجير القسري الذي يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.

إذ لا توفر مناطق الإيواء المؤقتة مثل المواصي أدنى مقومات الحياة، وتعاني من الاكتظاظ الشديد ونقص الغذاء والماء والرعاية الصحية، ما يحوّل النزوح إلى كارثة إنسانية مضاعفة.

ويحذر خبراء أمميون من أن استمرار التهجير بهذا الحجم سيزيد من أعداد النازحين الذين يقدَّر عددهم حالياً بأكثر من 1.7 مليون شخص داخل قطاع غزة، أي ما يفوق 70% من سكانه، ويهدد بحدوث انهيار اجتماعي وصحي كامل.

يتزامن التصعيد العسكري مع شبح المجاعة الذي يخيّم على القطاع. فقد استشهد مئات الفلسطينيين الشهر الماضي أثناء اندفاعهم نحو شاحنات الإغاثة أو أثناء تجمّعهم عند نقاط توزيع الطعام، وسط اشتباكات وفوضى ناجمة عن عجز المجتمع الدولي عن تأمين ممرات آمنة للمساعدات.

وتعاني مناطق مثل المواصي من اكتظاظ يفوق قدرتها على استيعاب الأعداد الهائلة من النازحين، مع شح فادح في المياه الصالحة للشرب والغذاء والدواء.

ووصف أحد الأطباء الوضع هناك قائلاً: “إنه ما بعد نهاية العالم… نحن نختار من نعالجه أولاً، لأننا لا نملك موارد كافية للجميع”.

وفي ظل استمرار الانسداد السياسي، تتواصل موجات التهجير القسري، لتزيد من مأساة شعب بات محاصراً بالموت والجوع والتشرد، بينما يظل المجتمع الدولي عاجزاً عن إيجاد حل يضع حداً للكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة يوماً بعد يوم.