لم تكن الاحداث المؤسفة والمؤلمة في السويداء منذ الاثنين 14 تموز / يوليو الحالي التي امتدت على مدار يومي أول أمس وأمس الثلاثاء والأربعاء وليدة الساعة، انما جاءت كنتاج لأحداث وتفاعلات سياسية وامنية مع تولي نظام الشرع الجديد نهاية 2024، وامتداد لصراعات شملت الشمال السوري وخاصة في اللاذقية وطرطوس وقبلها حلب والحسكة والقامشلي ومناطق الغالبية الكردية، وذلك يعود بالأساس الى عدم تمكن النظام الجديد من فرض السيطرة التامة على البلاد، وعدم الإمساك بزمام الأمور، ونتاج غياب جيش وطني متماسك وموحد، والاهم بسبب وجود مجموعات ذات خلفية داعشية في المؤسسة الأمنية والعسكرية، عملت تحت غطاء انضوائها في مؤسسات النظام الى تصفية حسابات دينية وطائفية ومذهبية، رغم ان نظام الشرع أكد انه يمثل الكل السوري، ويحرص على نبذ التطرف والفوضى وسياسة الثأر والانتقام، ويسعى لبناء سوريا الجديدة الخالية من التناقضات الاثنية والطائفية، وان القانون الواحد والسلاح الواحد بيد السلطات الرسمية هو السلاح الشرعي، غير ان الواقع لم يتماثل مع الرؤى المطروحة على الأرض، وبقي الاحتقان والصراعات تنهش النظام.
ولا يفوتني هنا، أن أؤكد ان إسرائيل اللقيطة والنازية قامت منذ اللحظة الأولى لتولي نظام أبو محمد الجولاني مهامه الرئاسية بتدمير الأسلحة الاستراتيجية السورية من طيران حربي ومروحي وصواريخ ودبابات والسلاح البحري ومعسكرات الجيش ومراكز أبحاث علمية وأمنية، حتى لم يعد هناك غطاء جوي او حتى بري أو بحري، كما قامت باحتلال كامل الجولان والقنيطرة ووصلت الى حدود محافظة درعا والسويداء ذات الغالبية الدرزية (المعروفيين) احفاد سلطان باشا الأطرش، قائد ثورة 1925 العربية الكبرى.
وعادت القيادة الإسرائيلية للتدخل المباشر في الاحداث الأخيرة الجارية في السويداء ومحيطها، وقامت أمس الأربعاء بقصف قيادة الأركان وقصر تشرين ومحيط قصر الشعب في العاصمة السورية دمشق الذي يقيم فيه الرئيس الشرع، والقت نحو 100 صاروخ وطالبت القوات السورية الرسمية الانسحاب من منطقة السويداء، بذريعة حماية الدروز العرب الاقحاح، مع ان القيادة الروحية لأبناء الشعب السوري من المعروفيين أعلنت انها توصلت لاتفاق مع قيادة النظام السوري وطالبت المسلحين بتسليم سلاحهم للمؤسسات الرسمية لوقف نزيف الدم السوري، وحماية وحدة الدولة السورية.
لكن القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية بقيادة بنيامين نتنياهو ويسرائيل كاتس، أمنعوا في تدخلهم واستباحتهم للنظام واراضي الدولة السورية وصبوا الزيت على نيران التناقضات الطائفية، والادعاء انها “حامية” الدروز، والحقيقة الهدف تمزيق وحدة الدولة السورية، وتجديد اشعال النيران في ارجاء سوريا، لتقسيمها الى دويلات اثنية ودينية وطائفية ومذهبية. وهذا هدف لم يبرح المخيلة والادراج الإسرائيلية الأميركية.
وادعاء الإدارة الأميركية انها تواصلت مع الطرفين لوقف القتال، ليس سوى خدعة، لأنه لو كان صحيحا تدخلها، ولديها الرغبة الحقيقية بوقف الصراع والتدخل الإسرائيلي، لأصدرت أمرا واضحا لنتنياهو بوقف عمليات القصف فورا والانسحاب من الأراضي السورية، الا انها لم تفعل، ومازال الضوء الأخضر الأميركي ممنوحا لإسرائيل لمواصلة عملياتها الحربية في سوريا، ووضع النظام الجديد امام خيارين أما الاستسلام وإعلان التطبيع المجاني مع إسرائيل، أو موصلة التدمير المنهجي للدولة والنظام السري الجديد، ولا خيار ثالث.
وفي ضوء ذلك، تملي الضرورة على نظام الشرع، إن كان جادا وحريصا على تعزيز دوره كممثل للشعب السوري بكل تلاوينه الاثنية والدينية والطائفية والمذهبية، عليه تنظيف مؤسسته الأمنية والعسكرية من المجموعات والعصابات والمرتزقة ذات الخلفية الداعشية الإرهابية، ومحاكمة كل من ارتكب جريمة بحق أبناء الشعب العربي السوري في السويداء أو غيرها من الأراضي السورية في محاكم علنية ليكونوا عبرة لمن يعتبر، ولوقف المهازل والفوضى وفلتان السلاح وعمليات الانتقام والثأر المرفوضة والمدانة، وتطبيق روح القانون والنظام على الجميع بعيدا عن المحسوبية والحسابات الدينية او الطائفية، وتعزيز روح المواطنة على أساس المساواة الكاملة لأبناء الشعب السوري بغض النظر عن العرق والدين والطائفة والمذهب او الانتماء السياسي والفكري. وبالتالي التركيز وإعطاء الأولوية لإصلاح البيت الداخلي هو الأساس الذي يمكن ان يعزز روح الشراكة والوحدة ونبذ الفرقة والصراعات الخطيرة التي تهدد وحدة البلاد.
