إسرائيل وحماس وغزة.. الرابح والخاسر

باسم برهوم

عندما يدقق المرء فيما يحدث في غزة نجد أن الخاسر الأكبر في المعادلة هم المواطنون الفلسطينيون العاديون، أطفالا، ونساء، وصبية، وشابات وشبابا ورجالا متوسطي العمر وكبار السن، آباء وأمهات، جدات وأجدادا، كلهم وقود حرب الإبادة الإسرائيلية، الخاسر هو قطاع غزة برمته الذي لحق به دمار شامل، وإذا توفرت الأموال، فهو بحاحة إلى عشرات السنوات كي يعاد إعماره، هذا إذا توفرت الشروط السياسية، والتي هي في الحالة الفلسطينية من الصعب أن تتوفر لكثرة التداخل في المصالح والأجندات.
وبالرغم أن إسرائيل وحماس لم تكسب كلاهما الحرب، فإن الضرر الذي لحق بهما لا يقارن بذلك الذي لحق بالقطاع وسكانه، فقيادة حماس وكادرها الرئيسي معظمهم في خارج القطاع، وما تبقى هم مختفون في الأنفاق لديهم كل ما يحتاجونه من غذاء ودواء وماء وكهرباء، وإسرائيل لحقت بها خسائر وأضرار ولكن لإسرائيل من يعوض لها خسائرها على الفور، بالتالي لا مشكلة لديها، من هم في مشكلة حقيقية هم أهل غزة، والشعب الفلسطيني عموما.
وإذا ما نظرنا للأمور من زاوية المصالح، فان لنتنياهو وحماس مصلحة في إطالة أمد الحرب، كل لاعتباراته، لكنهما، إسرائيل وحماس، تلتقيان في مصلحة مشتركة هي ألا تعود السلطة الوطنية الفلسطينية لحكم قطاع غزة، وبالنسبة لإسرائيل فإن الانقسام مصلحة إستراتيجية فهو الذي يمنع وحدة الضفة وغزة ويحرم الفلسطينيين من فرصة إقامة دولة خاصة بهم، وبالنسبة لحماس فإنها قد تتقاسم القطاع مع إسرائيل لكنها لن تقبل بعودة السلطة للقطاع. حماس تقوم بإطالة عمر الحرب علها تتوصل إلى صفقة تحافظ من خلالها على حكمها لغزة، أما نتنياهو تحديدا فإطالة الحرب هي مسألة مصيرية بالنسبة له، فإلى جانب أن الاطالة تعطيه وقتا أطول في الحكم، فإنه يسعى إلى تغيير مزاج الجمهور الغاضب منه بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وتحسين فرصة للبقاء فترة أطول في رئاسة الحكومة.
وفي مجال الربح والخسارة فإن حماس، هي وجماعة الإخوان المسلمين، ربحوا مئات الملايين من الدولارات من التبرعات التي جمعت باسم مأساة غزة في عشرات آلاف المساجد التابعة للجماعة، وغيرها، من إندونيسيا إلى الولايات المتحدة مرورا بأوروبا والدول العربية.
هذه الأموال هي حصريا للجماعة ولا يرى منها المواطن الغزي أي شيء. وفي مجال المال فإن إسرائيل أيضا تلقت مليارات الدولارات من تبرعات اليهود، وهي غير المليارات التي تلقتها من الولايات المتحدة الأميركية، ولكن الفارق فإن أموال إسرائيل أن المجتمع بأكمله يستفيد منها.
أما المواطنون في القطاع فبالكاد وصلهم من الغذاء الذي لا يسد رمق جوعهم، وضمن هذه المعادلة يبقى المواطن العادي في القطاع هو الخاسر، فهو بلا مال يعوض عليه خسائره، وبعض هذه الخسائر لا يمكن تعويضه لا بالمال ولا بغيره، ففقدان الابن أو البنت أو الأخ والأب والأم هو أمر لا يمكن تعويضه، ربما التضامن الوطني وحده يخفف من الضرر. ويبقى المواطنون في قطاع غزة هم مسيح هذا العصر مصلوبين ولا أحد ينجدهم، أما إسرائيل فهي الطرف المجرم الذي يمارس حرب إبادة وتدمير شامل للقطاع.
دعونا نراقب حيثيات مفاوضات التهدئة فكل من حماس وإسرائيل تمارسان لعبة شد الحبل، ولا تكترثان أن كل يوم حرب يعني مزيدا من قتل الفلسطينيين وتدمير مزيد من أملاكهم ومقدراتهم وإلحاق مزيد من الأذى بهم، فما يهم أهل غزة هو وقف العدوان عليهم وليس الإفراج عن عدد رهائن أكثر أو أقل، أو الإفراج عن ثلاث مقابل كل رهينة أو خمسة من الأسرى الفلسطينيين، صحيح قد يكون هذا مهما بالنسبة للأسرى، بالرغم أن من الأكيد أنهم يرغبون في خلاص شعبهم في غزة قبل خلاصهم الفردي. وقد يكون مهما لحماس إطالة عمر المفاوضات لعلها تحقق هدفها الأهم الحفاظ على سيطرتها على غزة أو على أجزاء منها، في حال أصرت إسرائيل على إبقاء احتلالها لبعض مناطق القطاع.
وبالنسبة لحماس فإن لها مفهوما مختلفا للربح والخسارة لا يدخل قي اعتباراتها الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بأهل قطاع غزة، الربح لحماس أن تواصل سيطرتها عى القطاع، وألا تصل إسرائيل للسنوار مثلا، أو أن تبقى قيادتها بخير والأموال تستمر بالوصول لها وحدها وللجماعة الإخوانية. وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل ما دامت الولايات المتحدة تعوض لها خسائرها فورا.
المعادلة، لمن أراد رؤيتها بعيدا عن أي تضليل تمارسه بعض القنوات الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي هي، أن المواطن الفلسطيني في قطاع غزة هو الذي يتعرض للظلم والخسارة، من هنا تنبع أولوية وقف الحرب بشكل نهائي والتي يجب ألا تعلوها أولوية، ولكن هذا لا يكفي إنما الأهم هو إنهاء الانقسام، فإذا انتهى هذا الأخير، حينها فقط يمكن أن نقول إن الخسائر يمكن أن تعوض وإعادة الإعمار تصبح ممكنة.

شاهد أيضاً