عندما تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن إسرائيل تواجه سبع جبهات مناوئة ينبغي التعامل معها لأنها تهدد أمن إسرائيل وبقائها، وتقف أمام وجودها كدولة إقليمية، كان السؤال: كيف ستتعامل إسرائيل مع هذه الجبهات تباعاً من غزة إلى الضفة، ومن الضفة إلى جنوب لبنان ومنها إلى سوريا، ما يشير إلى وجود مخطط إسرائيلي معد للتعامل في الإقليم بعد تجاوز درس 7 أكتوبر، والذي غير قواعد الاشتباك من التعامل مع الجبهات المناوئة إلى الدخول في العمق اللبناني والسوري.
المشهد العسكري ربما يفتح مسارح عمليات أخرى نظراً لوجود نزعة عسكرية حقيقية في إسرائيل، كانت نتيجة التغييرات الكبرى التي جرت طوال الفترة الماضية، واتضحت في صعود مجموعة من العسكريين تتملكهم الرغبة في بناء تاريخ جديد لإسرائيل في الإقليم، وبهدف تغيير الصورة الراهنة لوجودها في المنطقة باعتبارها تستخدم خيارات القوة والمواجهة في التعامل ما يفسر تصاعد دور التيار العسكري في إسرائيل إلي جانب الأجواء السياسية المعقدة في الحكومة الإسرائيلية، ومسعاها لتنفيذ مخططاتها بهدف ضم الأغوار ومستوطنات الضفة، وحسم الوجود الفلسطيني في الضفة مع التأكيد على وجود مخطط لإجراء عمليات الترحيل خارج غزة والضفة.
وما زال المخطط الإسرائيلي يعمل بصورة سريعة، والهدف منه تكريس استراتيجية إسرائيل الجديدة في الإقليم. ولعل ما جرى في سوريا مؤخراً يشير إلى ذلك، حيث تجاوزت إسرائيل احتلال مساحات من الجولان إلى ما وراء الوجود الإسرائيلي الرسمي بمقتضى اتفاقية فض الاشتباك 1974، ما يعكس رغبتها في تواجدها بكل نطاقات التماس المطلوبة لتأمين الحدود الإسرائيلية، وإغلاق الباب أمام احتمالات تعرضها إلى مخاطر من الجبهات المناوئة، وكذلك من مخاطر ما تراه «مداً إرهابياً»، وبما يؤمن بالفعل أية مساحات مواجهة على المدى الطويل.
إسرائيل الجديدة لن تكتفي فقط بوجودها في الضفة والقطاع في ظل غياب أية مقاربات أمنية جديدة للتفاوض بشأن الترتيبات الأمنية المنشودة إسرائيلياً بعد تجاوز مرحلة وقف إطلاق النار في غزة، وإتمام صفقات مرحلية غير متعجلة إلى حين يتولى الرئيس ترامب والرهان الإسرائيلي على دعمه المباشر بدون مفاوضات أو جولات.
إسرائيل قد لا تكتفي بما أنجزته في جنوب لبنان، وإنما في سوريا أيضاً كدولة جوار إقليمي لتُبقي مصر والأردن فقط برغم التزام البلدين بمعاهدتي كامب ديفيد ووادي عربة إلا أنهما تواجهان أيضاً سلوكاً إسرائيلياً منفلتاً بدليل استمرار احتلال إسرائيل ممر صلاح الدين وغلق معبر رفح. ومع الأردن تعمل إسرائيل في الوقت الراهن على تشييد جدار جديد على طول الحدود الأردنية الإسرائيلية، بهدف منع تسلسل أية عناصر إرهابية إلى الداخل.
المعني أن التوسع الإسرائيلي لن يتوقف استثمارا للمشهد السياسي الراهن، والذي يمكن أن يلقي بتبعاته على ما تخطط له الحكومة الإسرائيلية في الإقليم اعتماداً على مبدأ التوسع والانطلاق إلى تحقيق أهداف الدولة الكبرى في الشرق الأوسط، وتجاوز كل الإشكاليات الراهنة، والتي ارتبطت بالفعل بما تخطط له إسرائيل، وستعمل عليه طوال الفترة المقبلة في ظل واقع سياسي واستراتيجي يتشكل. وتحرص إسرائيل على مواجهة أية سيناريوهات مضادة قد تستهدف محاصرتها، أو الاستمرار في مخطط انتقادها ودعوتها للخروج من غزة، وعدم الإقدام على خطوات صفرية بشأن ضم الأغوار والمستوطنات، ما يؤكد أن إسرائيل الجديدة ستكون في مساحات ممتدة تتجاوز الحدود الراهنة بحثاً عن أمنها القومي الجديد الذي تعمل فيه، وترى أن مزيداً من قضم الأراضي لدول الجوار سيحقق لها الكثير من الحسابات الكبرى.
وفي ضوء ما أنجزته مؤخراً، ومن ثم فإن أي مسار محتمل لإسرائيل الجديدة سيدفع إلى واقع مختلف لا يُبنى إلا على مفهوم القوة الإسرائيلية مدفوعة بقوة ودعم غربي وأميركي على وجه الخصوص، وبما يكرس الخيارات العسكرية، ومن ثم فان الإقليم بأكمله، ودول الجوار الإسرائيلي العربي على وجه الخصوص ستكون مستهدفة إسرائيلياً بصرف النظر عما يجري من تحولات محتملة، خاصة وأن التنظيمات الإرهابية في الإقليم ما تزال تعلن عن نفسها، وإنْ كانت تترقب تطور الأحداث.
وبالتالي فإن حالة عدم الاستقرار ستظل في الإقليم كما هي لاعتبارات متعلقة بالموقف السياسي الراهن، وبقدرة إسرائيل الجديدة على تحقيق مكاسب عاجلة وسريعة، ودون انتظار لصفقات أو ترتيبات، أو أية اعتبارات أمنية أو استراتيجية ما يعطي الدلالات الرئيسية بأن ما سيجري في المنطقة العربية في حاجة إلى مراجعة كاملة، وسرعة الإقدام على تبني استراتيجية عربية تقودها الدول العربية المسؤولة عن أمن الإقليم ليس فقط لمجابهة التحرك الإسرائيلي في سوريا، وإنما أيضاً في النطاقات الاستراتيجية لإسرائيل تجاه دول جوارها، وخارجها.
نقلا عن الاتحاد