إسقاط المساعدات لغزة يغطّي التواطؤ الغربي

السياسي – لم تعد العيون الجاحظة، والأجساد الهزيلة، وصراخ الأطفال من الجوع مشاهد نادرة في غزة؛ بل تحولت إلى صورة يومية مأساوية.

وأكد موقع ميدل إيست آي البريطاني، أن المجاعة في غزة ليست نتيجة ندرة غذاء عالمية أو عجز لوجستي، وإنما نتاج سياسات متعمدة وحصار ممنهج، يُنفذ بأدوات عسكرية وسياسية إسرائيلية، وبغطاء دولي واضح.

وشدد الموقع على أن عمليات الإنزال الجوي التي تتسابق دول غربية على دعمها قد توفر إغاثة مؤقتة للمدنيين، لكنها تخدم أيضًا غرضًا سياسيًا أكبر: فهي وسيلة للأنظمة الغربية لتقديم نفسها كحريصة على البعد الإنساني، في حين أن سياساتها المنحازة لإسرائيل هي التي خلقت بيئة المجاعة من الأساس.

وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن هذه المساعدات الجوية تمثل “تنازلًا تكتيكيًا” أمام الضغوط الدولية، دون أي التزام حقيقي برفع الحصار أو فتح المعابر البرية.

-تشدد نتنياهو وتحالفات اليمين المتطرف

خلال حرب الإبادة المستمرة على غزة، انحاز نتنياهو إلى الرؤية المتشددة لوزرائه من أقصى اليمين، سواء حفاظًا على تماسك ائتلافه أو انطلاقًا من قناعة شخصية.

وقد تجسد ذلك في تحالف انتخابي مع حزب “القوة اليهودية”، الجذور الكهانية المتطرفة، الذي جعل من العقاب الجماعي أداة سياسية.

النتيجة: حرب إبادة، أكثر من 60 ألف شهيد بينهم 16 ألف طفل، وآلاف آخرون يموتون جوعًا بسبب غياب الغذاء والدواء.

-صمت الغرب وفشل أوروبا

رغم الكارثة الإنسانية، ترددت الحكومات الغربية في استخدام نفوذها لوقف العدوان. الاتحاد الأوروبي فشل في التوصل إلى إجماع بشأن أي إجراءات ضد دولة الاحتلال، حتى بعد عرقلة تسليم المساعدات.

ورغم إعلان المفوضة الأوروبية كايا كالاس عن اتفاق لتسهيل التوزيع، بقيت قوافل المساعدات متوقفة، فيما يتواصل إلقاء طرود غذائية من السماء بشكل استعراضي.

جماعات حقوقية ومسؤولو مساعدات يؤكدون أن ندرة الغذاء ليست أزمة لوجستية، بل خيار سياسي متعمد.

مبلّغ عسكري إسرائيلي كشف أن القوات أحرقت أو دمرت نحو ألف شاحنة مساعدات. كما أظهرت مشاهد متكررة مدنيين إسرائيليين وهم يعرقلون القوافل ويخربون الشحنات.

ترافق ذلك مع تصريحات علنية: وزير الجيش السابق يوآف غالانت أعلن منذ الأيام الأولى للحرب “حصارًا شاملاً: لا طعام ولا ماء ولا كهرباء”.

فيما رأى راى بتسلئيل سموتريتش أن تجويع المدنيين “قد يكون عادلاً وأخلاقيًا”. أما بن غفير فقد أنكر أصلًا وجود مجاعة.

-بدائل خطيرة وغير كافية

تحت الضغط الدولي، وافقت دولة الاحتلال على توسيع وصول المساعدات، لكن دون فتح المعابر البرية. بدلاً من ذلك، دعمت مع الحلفاء الغربيين حملة الإنزال الجوي التي تقودها الأردن والإمارات.

هذه الطريقة اتضح أنها خطيرة وغير فعّالة: المنصات سقطت فوق مدنيين وتسببت بإصابات، وحمولة الطائرة لا تعادل سوى شاحنة واحدة – بينما يحتاج القطاع إلى 500 شاحنة يوميًا لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات.

المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني أشار إلى أن أكثر من 6000 شاحنة مساعدات عالقة بانتظار التصاريح. المفارقة صارخة: الإمكانات متوفرة، لكن الإرادة السياسية غائبة.

-مؤسسة غزة الإنسانية.. أداة سياسية جديدة

لتبرير هذا النهج، ادعت دولة الاحتلال والولايات المتحدة أن فصائل المقاومة تنهب المساعدات، ودعمتا تأسيس “مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)” في ولاية ديلاوير كقناة بديلة.

لكن هذه المؤسسة تجاوزت المنظمات الأممية الراسخة مثل الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي، وأدت إلى نتائج كارثية.

فوفق الأمم المتحدة، استشهد نحو 900 فلسطيني مؤخرًا أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية قرب نقاط توزيع تديرها هذه المؤسسة.

من جهته مكتب حقوق الإنسان الأممي حذّر من أن هذا النموذج يثير مخاطر جدية على السلامة والحياد.

-غياب الأدلة واستمرار الادعاءات

حتى الآن، لم تُقدم أدلة قاطعة على مزاعم “نهب فصائل المقاومة” للمساعدات. حتى تقييمات الوكالة الأمريكية للتنمية ومسؤولين إسرائيليين أثارت شكوكًا حول مدى مصداقية هذه المزاعم.

لكن رغم ذلك، جرى تهميش الوكالات الأممية لصالح كيانات سياسية حديثة، مما يقوض مبدأي الكفاءة والحياد في الاستجابة الإنسانية.

بموازاة ذلك لا يمكن للطائرات المسقطة طرودًا أن تحل محل قوافل المساعدات، ولا لمؤسسات سياسية مشبوهة أن تكون بديلًا عن وكالات إنسانية عريقة.

والحل الوحيد لتفادي المجاعة في غزة هو إعادة تمكين المنظمات الإنسانية مثل الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي من الوصول الحر والآمن إلى المدنيين.

فالمجاعة في غزة ليست كارثة طبيعية، بل جريمة سياسية، والاستجابة لا تكون بمبادرات رمزية، بل بإنهاء الحصار ووقف استخدام الغذاء كسلاح في حرب الإبادة.