إصلاح منظمة التحرير

حازم القواسمي

نعم منظمة التحرير الفلسطينية هي البيت الجامع والممثل الشرعي والجبهة الوطنية العريضة التي تمثل الشعب الفلسطيني في كل مكان. وهي المظلّة التي يجب أن تنضوي تحتها جميع الفصائل والقوى والأحزاب الفلسطينية. لقد تبلور حديثاً توجهاً فلسطينياً شاملاً من جميع فصائل منظمة التحرير على دخول حركتي حماس والجهاد قريبا إلى المنظمة حتى تكون بالفعل ممثلة لكل أطياف وقوى الشعب الفلسطيني دون استبعاد أو إقصاء أحد، فالمنظمة هي لكل الفلسطينيين وليست لفئة دون أخرى أو لفصيل دون آخر. وكانت أول البوادر الوحدوية الجيدة هي بيان موسكو في شباط هذا العام حيث وقّعت عليه جميع الفصائل بما فيها حركتي حماس والجهاد. ونأمل تعزيز هذا التوجه الوحدوي في لقاء الصين القادم هذا الشهر لجميع القوى الوطنية والإسلامية.

والحمد لله لا يوجد صوت فلسطيني واحد ينادي بجسم أو كيان جديد أو منظمة جديدة. والجميع ينادي بتفعيل المنظمة وتنشيطها وتقوية دورها وبث روح الشباب فيها بعد أن شاخت قيادتها وهرم بناؤها وساء أداؤها ونخرتها البيروقراطية العقيمة. كثيرة هي ملاحظات الشعب الفلسطيني على أداء منظمة التحرير وكيفية تناولها للقضايا والتحديات التي تواجه كافة تجمعات الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وغزة والمخيمات والشتات. ويجب العمل على تلك الملاحظات من أجل إحياء المنظمة من جديدة وكسب ثقة الشارع الفلسطيني في كل مكان. حتى لا يشعر الشعب الفلسطيني أنه يتيما بل أب يرعاه وبدون ظهر يحميه ويدافع عنه.

فالمؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني وقضيته وضد منظمة التحرير لم تتوقف. وما زالت إسرائيل تحاول تصفية القضية الفلسطينية وترحيل الشعب الفلسطيني من أرضه بتواطوء ودعم أمريكي مطلق. وبالرغم من كل ما قدمته قيادة منظمة التحرير الحالية من استعداد ومرونة وجهوزية لحل سلمي مع الصهاينة، إلا أنّ ذلك لا يعجبهم بل كشفوا عن وجههم البشع ونيّتهم في القضاء على الكيانية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بما فيها منظمة التحرير. كما قال نتانياهو: “لا فتحستان ولا حماستان”. أي لن يقبل بعد 7 أكتوبر بدولة أو كيان تقوده فتح أو حماس. وتحاول قيادة الاحتلال، ومن ورائها أمريكا، استبدال القيادات الفلسطينية الوطنية والإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة بروابط قرى وشخوص جديدة على مقاس الاحتلال الإسرائيلي والراعي الأمريكي له، ويضعون الإملاءات والشروط الاستسلامية التي لا يمكن لأي فلسطيني شريف قبولها.
فالقيادات الوطنية والإسلامية مستهدفة، ومنظمة التحرير أيضاً مستهدفة من الأمريكان وإسرائيل، لذلك أصبح من الملحّ أكثر من أي وقت مضى، خاصة من حرب الإبادة التي دمّرت قطاع غزة وقتلت وشرّدت مئات الآلاف من شعبنا، أن يجتمع الشعب الفلسطيني على كلمة واحدة تحت سقف منظمة تحرير قوية وفاعلة وجامعة للتصدي لجميع المحاولات والمؤامرات التي تستهدفها. ولهذا هناك حاجة ملحة وعاجلة لتمتين بناء منظمة التحرير وهيكليتها، وضخ دماء جديدة شابة وحيوية تتحمّل مسؤولياتها. ويجب تعزيز بناء المنظمة وأطرها الديمقراطية وتفعيل الانتخابات النزيهة والشفافة كوسيلة للعودة للشعب لاختيار قيادته التي ستسير به باستراتيجية نضالية جديدة تأخذ بعين الاعتبار الوجه البشع للاستعمار الذي تكشّف بعد 7 أكتوبر 2023.

وبالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته، هناك فرصة كبيرة أيضاً يجب أن استغلالها. فيجب التركيز على كل ما يجمع الشعب الفلسطيني وترك كل ما يفرقه. ومنظمة التحرير هي الجسم الذي يجب أن يجمعه. فهي المفتاح للتغيير بعد كل الدروس المستفادة من تجربة أوسلو المريرة التي أوصلت الشعب الفلسطيني إلى ما وصل إليه. والمنظمة هي القادرة على مواجهة المحتل وأعوانه إذا ما التف الشعب الفلسطيني كله حولها. ولا نريد لأحد أن يعمل خارج إطار منظمة التحرير، ولا نريد لمنظمة التحرير أن تقصي أحدا.

ومن المهم الترحيب بكل الجهود الوطنية المخلصة والمبادرات التي تسعى إلى توحيد الشعب الفلسطيني على كلمة واحدة تحت مظلة منظمة تحرير جامعة. بل يجب تشجيع تلك المبادرات والوقوف معها والالتفاف حولها ودعمها بكل السبل الممكنة من أجل استكمال هذا البناء الوطني ليصبح شامخاً بشبابه وشاباته من القدس ومن داخل الخط الأخضر ومن الضفة والمخيمات ومن أهلنا في كل مكان خارج فلسطين المحتلة. وأصبح من الضرورة فتح قنوات الحوار بين كافة أبناء الشعب الفلسطيني ومكوناته السياسية في الداخل والخارج من خلال عقد العديد من اللقاءات والمؤتمرات كي يتم تتويجها في مؤتمر وطني جامع يكون النواة والبداية لعمل دؤوب ومكثف من أجل التصدي للاحتلال، ووضع استراتيجية جديدة للتحرر والاستقلال والعودة، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره.

شاهد أيضاً