إغلاق معبر الكرامة: بين العقاب الجماعي والحسابات السياسية

كتب د. راسم بشارات

 

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إغلاق معبر الكرامة/جسر الملك حسين (اللنبي)، المنفذ البري الوحيد للضفة الغربية عبر الأردن، اعتبارًا من 24 سبتمبر 2025 وحتى إشعار آخر، إذ أكد أن الإغلاق يمثل “ردًا أوليًا لمنع عودة وزراء السلطة الفلسطينية”، وأن موقفه الكامل سيُعلن بعد عودته من الولايات المتحدة.

بذلك تحول المعبر إلى ورقة ضغط سياسية تستهدف السلطة الفلسطينية مباشرة، في وقت تشهد فيه تحركات دبلوماسية فلسطينية نشطة واعترافات دولية متزايدة بدولة فلسطين. الإغلاق يُضعف حرية تنقل ملايين الفلسطينيين، ويعرقل مساعي قيادتهم الدولية، ويحوّل المعبر الحيوي إلى أداة لمعاقبة الشعب الفلسطيني بشكل جماعي.

القرار يبرز بوضوح أن إسرائيل تستخدم البنية التحتية الحيوية كورقة ضغط سياسية، ما يضع حرية الحركة وحقوق الفلسطينيين الأساسية في مواجهة مباشرة مع الحسابات السياسية الإسرائيلية، ويزيد التوتر على المستويين الإنساني والدبلوماسي.

الفلسطينيون بين حصار جديد ومعاناة يومية
إغلاق معبر الكرامة لم يقتصر على كونه قرارًا سياسيًا، بل سرعان ما انعكس على حياة الفلسطينيين بمختلف تفاصيلها. فجأة وجد ملايين السكان في الضفة الغربية أنفسهم بلا منفذ خارجي، محاصرين داخل جغرافيا ضيقة لا تتيح لهم السفر أو الحركة بحرية، وهو ما يعني حرمان المرضى من الوصول إلى مستشفيات في الخارج كانوا يعتمدون عليها للعلاج، وقطع الطريق أمام آلاف الطلبة الذين يتنقلون بين الضفة والأردن أو يكملون دراستهم في الخارج.

الأثر الاقتصادي كان حاضرًا أيضًا، فقد ينذر توقف حركة الشحن والتجارة عبر المعبر بأزمة تؤدي إلى نقص في السلع الأساسية، وارتفاع في الأسعار يثقل كاهل المواطنين. أما على المستوى الاجتماعي، فقد أصيب شريان الحياة العائلي بالشلل؛ عائلات بأكملها اعتادت التنقل بين الضفة والأردن وجدت نفسها أمام جدار من العزلة، ما عمق الشعور بالحصار والانفصال.

السلطة الفلسطينية في مرمى الضغوط
تداعيات القرار لم تقف عند حدود الأفراد، بل جر السلطة الفلسطينية نفسها إلى قلب العاصفة وكبدها خسائر مالية مباشرة، نتيجة توقف إيرادات رسوم السفر التي تشكل موردًا مهمًا، مما  يزيد من حدة الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية منذ سنوات نتيجة السياسات الإسرائيلية.

كما أن الأبعاد الدبلوماسية كانت أكثر تعقيدًا، بحيث أصبح وزراء ومسؤولون فلسطينيون يجدون صعوبة في مغادرة الضفة أو العودة إليها، ما يعني شللاً في حركتهم السياسية والدبلوماسية. والأخطر من ذلك أن القرار تحوّل إلى أداة ابتزاز سياسي، فإسرائيل توظف المعبر كوسيلة للضغط على القيادة الفلسطينية وإعاقة تحركاتها على الساحة الدولية، في لحظة يتزايد فيها الاعتراف بدولة فلسطين داخل المجتمع الدولي.

إغلاق في مواجهة القانون الدولي
لم يعد إغلاق معبر الكرامة مجرد إجراء إداري أو حتى قرارًا أمنيًا، بل تحوّل إلى ساحة اختبار لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي. اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تحظر بشكل صريح العقاب الجماعي وتُلزم القوة القائمة بالاحتلال بضمان حرية التنقل وتوفير الرعاية الصحية للمدنيين. ما يحدث اليوم يناقض هذه الالتزامات، إذ يُحرم الفلسطينيون من أبسط حقوقهم.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 يكفل حق كل فرد في التنقل والسفر، وهو حق جرى تقويضه بالكامل مع إغلاق المعبر الوحيد للفلسطينيين. أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها الحق في الصحة والتعليم، فتتلقى هي الأخرى ضربة مباشرة؛ مرضى محرومون من العلاج، وطلاب عاجزون عن الالتحاق بجامعاتهم، وهو ما يُصنَّف في خانة الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان.

فرصة دبلوماسية للسلطة الفلسطينية
وسط هذه الصورة القاتمة، يفتح تصريح نتنياهو بابًا قد يكون ذا أثر استراتيجي للسلطة الفلسطينية، إذ أن إقراره العلني بأن الإغلاق جاء كـ”رد أولي لمنع عودة وزراء السلطة”، يوفّر دليلًا دامغًا على أن الهدف سياسي عقابي لا علاقة له بالأمن أو أمور اخرى. مثل هذا التصريح يمكن تحويله إلى ورقة ضغط قوية في الساحة الدولية.

ففي المحافل الدولية، تستطيع السلطة تقديم شكاوى رسمية لمجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية، مستندة إلى اعتراف إسرائيلي صريح باستخدام المعابر كوسيلة عقاب جماعي مستندا إلى المادة ٣٣ من اتفاقية جنيف الرابعة، ويمكن نقل الملف إلى مجلس حقوق الإنسان والمقررين الأمميين، خاصة المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، حيث يشكل تصريح نتنياهو دليلًا رسميًا على النية السياسية المعلنة وراء انتهاك حقوق الفلسطينيين الأساسية.

خاتمة
إغلاق معبر الكرامة/جسر الملك حسين لم يعد مجرد إجراء أمني عابر، بل كشف عن عمق الأزمة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والكلفة الإنسانية والسياسية على الفلسطينيين. تصريحات نتنياهو أكدت أن القرار ليس أمنيًا فحسب، بل إجراءً عقابيًا سياسيًا يهدف لعزل الفلسطينيين والضغط على قيادتهم.

الإغلاق يفرض حصارًا إنسانيًا على المرضى والطلاب والعائلات، ويزيد الضغوط على السلطة الفلسطينية داخليًا وخارجيًا، كما يتعارض مع القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان. ومع ذلك، يتيح هذا التعارض فرصة لتدويل القضية وكسب دعم دولي أوسع.

يبقى السؤال: هل سيتمكن الفلسطينيون من استثمار هذه اللحظة لكشف سياسة العقاب الجماعي ودفع المجتمع الدولي للتدخل، أم سيبقى الإغلاق أداة ضغط إسرائيلية لإعادة رسم حدود حرية الفلسطينيين وحياتهم اليومية؟.