إقصاء الكوميدية بلانش غاردان من المشهد الفرنسي لدعمها فلسطين

السياسي – تعيش الكوميدية الفرنسية المعروفة بلانش غاردان مرحلة صعبة على المستويين المهني والشخصي، عقب الجدل الذي أثارته مواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني، وتحديدًا بعد مشاركتها في عرض ساخر خلال أمسية تضامنية مع غزة في صيف عام 2024.
فمنذ شهر أكتوبر من العام الماضي، غابت غاردان عن المنصات الفنية، مؤكدة في عدة تصريحات إعلامية أن عروض العمل توقفت بشكل شبه كامل، ما انعكس مباشرة على وضعها المعيشي. وقالت في حديث صحافي: “لم أتخيل يومًا أن أواجه ما أعيشه الآن. هناك عواقب حقيقية على حياتي المادية”، مضيفة أن انقطاع الدخل أجبرها على اتخاذ قرارات قاسية، من بينها مغادرة شقتها.
تعود بداية الأزمة إلى مقطع ساخر أدّته خلال أمسية أقيمت في مسرح “لا سيغال” بباريس دعمًا لوقف إطلاق النار في غزة، قالت فيه: “اسمي بلانش، ومنذ 7 أكتوبر أصبحت معادية للسامية”، في صيغة ساخرة هدفت – بحسب توضيحها – إلى انتقاد الخلط بين معاداة السامية وانتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية.


لكن هذا المقطع، الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي خارج سياقه الكامل، أثار موجة انتقادات حادة، وتم اتهام غاردان بتقليل خطورة معاداة السامية، وهي تهمة نفتها بشدة. ووفق تقارير صحافية، أدى هذا الجدل إلى خسارتها وكيل أعمالها، وتوقف عدد من المشاريع الفنية، بينها دور سينمائي كان مقرّرًا في فيلم للمخرجة فاليري دونزيلي.
وفي سياق متصل، دخلت غاردان في سجال إعلامي مع الحاخامة الفرنسية دلفين أورفيلور، بعد أن أعادت الأخيرة نشر فيديو يقارنها بالكوميدي ديودونيه المعروف بمعاداة السامية، وهو ما اعتبرته غاردان مساهمة في حملة تشويه ضدها بسبب دعمها للقضية الفلسطينية.
وفي رسالة وجهتها إلى أورفيلور ونشرتها مجلة “تيليراما”، أوضحت غاردان أن هدفها كان الدفاع عن حرية التعبير، محذّرة مما وصفته بـ“ضمور النقاش العام” في فرنسا بعد أحداث 7 أكتوبر، ومؤكدة أن اعتبار أي انتقاد لسياسات إسرائيل شكلًا من أشكال معاداة السامية يُفرغ المصطلح من معناه.
كما شددت غاردان على تمسكها بقناعاتها، معتبرة أن الفن وسيلة لنقل القيم الإنسانية، وقالت: “ما زلت أؤمن بأن التضامن والعدالة الاجتماعية هما الطريق الوحيد لإعادة إنسانيتنا المشتركة”.
على الرغم من هذا التراجع المهني، فإن غاردان لم تغب كليًا عن الشاشة، إذ تشارك في بطولة فيلم “المرأة الثلجية المدهشة” المعروض منذ شهر نوفمبر الماضي، غير أن تصويره سبق الجدل. كما يُنتظر أن تظهر في فيلم “Alter Ego” للمخرجين نيكولا شارلي وبرونو لافان، المقرر عرضه في شهر المقبل، في ما اعتبرته “إشارات خجولة” لاحتمال عودتها التدريجية.
إلى جانب الخسائر المهنية، تحدثت غاردان عن تعرضها لتهديدات خطيرة، شملت تهديدات بالقتل والاغتصاب، إضافة إلى حملات مضايقة واعتداء طال أحد أفراد عائلتها، مؤكدة أنها لا تذكر ذلك بدافع الشكوى، بل لوصف واقع تعيشه منذ أشهر.
وتُعد بلانش غاردان من أبرز الأسماء في الكوميديا الفرنسية خلال العقد الأخير، إذ انطلقت من Jamel Comedy Club، ونالت جائزة موليير لأفضل عرض كوميدي عام 2018، وشاركت في أفلام لعدد من أبرز المخرجين الفرنسيين.
يأتي هذا الجدل في سياق أوسع تشهده الساحة الثقافية والإعلامية الفرنسية، في ظل صاعد النقاشات حول حدود حرية التعبير، ودعم فلسطين، والخلط بين انتقاد السياسات الإسرائيلية ومعاداة السامية، على خلفية الحرب على قطاع غزة.