إلغاء ما يُسمّى “التمكين” وتفعيل دائرة شؤون الأسرى والشهداء والشؤون الاجتماعية

عمران الخطيب

 

الثوابت الوطنية الفلسطينية ليست محل مساومة أو مقايضة أو تبديل. كما أن دوائر منظومة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية يجب الحفاظ عليها بكل الوسائل، خاصة أننا ما نزال حركة تحرر وطني، ولا يزال شعبنا الفلسطيني رازحًا تحت الاحتلال الإسرائيلي العنصري.
فالاستيطان لم يتوقف، بل يتصاعد يومًا بعد يوم، من خلال مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات الاستعمارية في الضفة الغربية والقدس. ومنذ اتفاق أوسلو، لم يتراجع الاحتلال الإسرائيلي قيد أنملة، بل على العكس، ازدادت سياساته عدوانية، إلى درجة أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية اغتالت رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين عندما شعرت “الدولة العميقة” في الكيان الصهيوني بأن الفلسطينيين قد يحصلون على كيان، ولو كان أقل من دولة. ومنذ ذلك الحين، تراجعت حكومات الاحتلال المتعاقبة عن ما سُمّي بـ“السلام”، بدعم وإسناد مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية.
فالولايات المتحدة تشكّل الداعم الشامل لإسرائيل كدولة احتلال، بل شريكًا في العدوان والإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، وكانت العقبة الرئيسية أمام وقف العدوان ووقف الإبادة. والفيتو الأمريكي وقد تحدث الرئيس دونالد ترامب، أمام الكنيست الإسرائيلي وبكل فخر، عن تقديم دعم سخي لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، قائلاً: “يطلب مني أسلحة متطورة وأنا أقدّمها له”.
إضافة إلى ذلك، فإن مبادرة ترامب للسلام، التي طُرحت في شرم الشيخ، لم تتضمن أي حديث عن حل الدولتين أو عن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وبذلك تدير الإدارة الأمريكية ظهرها لقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي. ويقوم مفهوم “الحل” المطروح أمريكيًا وإسرائيليًا على تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار والهدنة، وهي هدنة لم يلتزم بها الجانب الإسرائيلي أصلًا، سواء في تنفيذ المرحلة الراهنة أو في الانتقال إلى المرحلة الثانية.
وتنسجم مواقف الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب مع تصريحات مسؤوليها الذين لا يعترفون بدولة فلسطين، ويدعمون الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس، بما في ذلك سياسات الضم والاستيطان.
وبدون أدنى شك، فإن الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة خطوة نوعية يجب الحفاظ عليها والبناء عليها، ولكن ذلك لا يكون على حساب منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ودوائرها، وفي مقدمتها دائرة الشؤون الاجتماعية، ودائرة شؤون الأسرى والشهداء والجرحى والمصابين والمعتقلين.
كما يجب، في الوقت ذاته، المحافظة على مختلف دوائر منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها. فرواتب الشهداء والأسرى والأسيرات حق مشروع لا يقبل المساواة أو الابتزاز، وهو خط أحمر لا يجوز تجاوزه. ونؤكد هنا على موقف الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، الذي شدد في مختلف خطاباته، وعلى منبر الأمم المتحدة، على الاستمرار في صرف رواتب الشهداء والأسرى، ورفع صورة أحد الأسرى الفلسطينيين تعبيرًا عن هذا الالتزام الوطني.
ومن هنا، فإن المطلوب من الرئيس أبو مازن وقف قوى الشدّ العكسي داخل السلطة ومنظمة التحرير، والتأكيد على أن الإصلاحات الفلسطينية شأن داخلي فلسطيني بامتياز، لا يحق لأي جهة خارجية التدخل فيه أو فرض شروطه.
وفي الختام، ندعو أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، التي تُعد العنوان الأساسي للثورة الفلسطينية المعاصرة، إلى تحمّل مسؤولياتهم الوطنية. فحركة فتح هي من أسّس دائرة شؤون الأسرى والشهداء والشؤون الاجتماعية، وهي من أرسى هذه المؤسسة التي تُعد من أهم محطات ومسارات الثورة الفلسطينية المعاصرة.
إن استعادة الدور القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية باتت ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل.