منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، كانت منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) هي الإطار الجامع والبيت الشرعي الوحيد الذي يمثل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، ويحمل مشروع التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. غير أن المشهد الوطني الفلسطيني شهد خلال العقود الأخيرة حالة من التشرذم والانقسام السياسي والتنظيمي، أضعفت الموقف الفلسطيني وأعطت للاحتلال فسحةً للمناورة والتمدد.
لقد أصبح من المؤلم أن نرى بعض الفصائل الفلسطينية تغرد خارج السرب الوطني، وتعمل وفق تعليمات وأجندات إقليمية أو خارجية لا تخدم القضية، بل تستثمر في معاناة الشعب الفلسطيني لتحقيق مكاسب آنية أو نفوذ سياسي هنا وهناك. إن الارتباط بأي محور خارجي — مهما كان عنوانه — لا يمكن أن يكون بديلاً عن الانتماء الوطني الصادق لفلسطين وحدها، لأن التجارب أثبتت أن تلك الأجندات تتبدل بتبدل المصالح، بينما تبقى فلسطين هي الثابت الأبدي الذي لا يتغير.
إن الاستقلالية الوطنية التي نادت بها الثورة الفلسطينية منذ أيامها الأولى ليست شعارًا عاطفيًا، بل هي ركيزة أساسية لبناء القرار الوطني الحر. لا يمكن لشعبٍ يسعى للتحرير أن يبقى مرتهنًا لتوجيهات تملى من وراء الحدود، أو أن يُختزل مشروعه في بيانات تصدر عن عواصم لا تعاني الاحتلال ولا تعرف معنى الأسر والحصار.
لقد آن الأوان لتدرك كل الفصائل أن البيت الفلسطيني بحاجة إلى وحدةٍ حقيقيةٍ جامعة، تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، لتتوحد البنادق والبرامج السياسية ضمن مشروع وطني واضح: التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
إن اللحظة التاريخية لا تحتمل مزيدًا من العبث والانقسام، فشعبنا الذي يواجه آلة القتل والتهجير في غزة والضفة يستحق قيادة موحدة، تستمد شرعيتها من نضاله، لا من دعم خارجي أو تحالفات مشبوهة.
فهل آن الأوان لتضع تلك الفصائل المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وتنضم بصدق إلى الخيمة الفلسطينية الكبرى – م.ت.ف – لتكون جزءًا من المشروع الوطني لا عائقًا أمامه؟
إن التاريخ لن يرحم من يضع مصالحه الحزبية فوق دماء الشهداء، ولن يغفر لمن يبدد تضحيات الشعب من أجل حسابات ضيقة.
فلسطين أكبر من الجميع، ولن تتحرر إلا بوحده ابنائها