على كل صاحب قرار يمكنه أن يوقف الحرب على غزة عليه أن يعمل على وقفها الآن، بالطبع كان يجب أن تتوقف قبل أشهر ولكن بما أنها لا تزال مستمرة، فإن على من يملك هذه الإمكانية عليه أن يتصرف وبأسرع وقت. والسبب أن أوروبا مشغولة في هذا الصيف في الانتخابات في فرنسا وبريطانيا، ومشغولة في كأس المنتخبات الاوروبية لكرة القدم، وبعدها مباشرة تأتي الألعاب الأولمبية في فرنسا نهاية تموز/ يوليو القادم. وهناك حلف الأطلسي، ومع تقدم الوقت، ستصبح الولايات المتحدة الأميركية منشغلة تماما في الانتخابات الرئاسية وثلث أعضاء الكونغرس، وحكام الولايات، بمعنى أن الانتباه إلى ما يجري من مذابح في غزة سيتراجع كثيرا وقد يدير العالم المؤثر ظهره لنا خلال الأشهر القادمة.
وبدون أي لف ودوران، فإن المقصود بالكلام هي حماس، لأن إسرائيل نتنياهو ليست في عجلة من أمرها وهي تمضي في تدمير قطاع غزة، وتقتل سكانه بشكل وحشي، أما أميركا بايدن فهي تقول إنها حاولت وحشدت العالم، كله تقريبا، حول مبادرتها، وستدعي ببساطة أن حماس هي العقبة، كما أن أميركا بايدن، وكما سبقت الإشارة، ستكون بعد أسابيع غارقة بانتخاباتها وستكون الإدارة الأميركية، كما يقال بطة عرجاء خلال النصف الثاني من هذا العام، وان أي إدارة قادمة ستحتاج لعدة أسابيع، وربما أشهر حتى تنخرط تماما بالسياسة الخارجية.
لذلك، ولأن الشعب الفلسطيني هو الذي يُذبح ويُقتل، وغزة وفلسطين هي التي تُدمر، فإن على حماس، دون غيرها، التفكير بالخروج من مستنقع الدم فورا دون تأخير، لأنها إذا لم تتصرف الآن فإن عداد الموت سيبلغ أرقاما من الصعب تحملها.
وبعيدا عن جاذبية الرياضة، فصيف أوروبا رياضي بامتياز، ففرنسا على موعد لانتخاب برلمان جديد نهاية الشهر الجاري، أما بريطانيا، فهي أيضا ستنتخب في الرابع من تموز/ يوليو مجلس عموم جديدا، وإن خرائط سياسية ستتغير في البلدين، وبالتالي هناك انشغال كبير، ولن يلتفت أحد والحالة هذه إلى ما يجري في غزة، أو لن يكون هناك تركيز جدي يقود إلى فعل جدي. لا أعلم إن كانت حماس معنية بإنهاء عذابات الناس في القطاع، أم أنها معنية فقط بمصالحها، أما إذا كانت بالفعل معنية بأهالي غزة فإن عليها أن تعمل فورا على وقف الحرب.
حماس ستكون واهمة إن اعتقدت أنها تستطيع تقليع شوكها بيدها، أو أنها قادرة أن تحكم غزة من جديد إلا إذا توصلت مع نتنياهو إلى تعهد بأن السابع من أكتوبر لن يتكرر، وأن توافق على نزع سلاحها في ظل رقابة دولية. وحتى مع هذا النوع من الاتفاقيات التي قد تسعى إليها حماس ويريدها نتنياهو بهدف منع توحيد القطاع مع الضفة، بمعنى أن يمنع أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية، خصوصا أنه يشدد الخناق على السلطة الوطنية ويسعى إلى تفكيكها.
هناك خطر حقيقي إذا لم يسع الفلسطينيون لتوحيد أنفسهم، فهناك احتمال موجود وجدي، بأن يكون هدف كل ما يجري هو إنهاك الشعب الفلسطيني وفرض قيادة أو نمط من الحكم يقبل بحلول، هي نسخة من صفقة القرن، بمعنى حكم ذاتي على أضيق نطاق من الأرض. بمعنى العودة للشعار الصهيوني “أرض أكبر وسكان أقل” أي أن تسيطر إسرائيل على المساحة الأوسع من الأرض وحصر السكان في أضيق مساحة، وإن أمكن التخلص من مئات الآلاف من الفلسطينيين.
هذا السيناريو ليس أمرا خياليا، إنما هو مخطط طالما سعت إسرائيل إلى تحقيقه، ان الخطوة الأولى لمواجهة هذا المخطط هو العمل على وقف الحرب، ومن ثم ألا نعود لصيغة الانقسام، وألا يكون للشعب الفلسطيني رأسان ومركزان للقرار، والثاني أن ينضم الجميع لمنظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز مكانتها بدل إضعافها ومحاولة خلق بدائل لها. وطنيا الكرة في ملعب حماس وهناك مبادرة صينية لنجعل منها فرصة لننهي الانقسام.