السياسي – نشرت صحيفة “إندبندنت” افتتاحية قالت فيها إن الإضراب العام في إسرائيل، احتجاجاً على مواصلة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب في غزة، ورفضه عقد صفقة لتحرير الأسرى لدى حركة “حماس”، رسالة واضحة بأنه لا يستطيع الانتصار في الحرب. وأن عليه العمل، بدلاً من ذلك، مع الذين يحاولون التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.
وقالت الصحيفة إن نتنياهو، وبشكل متزايد، بات محاصراً، وكان محقاً في أمر واحد وهو تحميل “حماس” مسؤولية مقتل ستة من الأسرى لديها.
وأشارت الصحيفة هنا إلى بيان من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري، الذي قال إن الأسرى قُتلوا أثناء تقدم القوات الإسرائيلية بعد نجاتهم لأحد عشر شهراً في الأسر. وتم العثور على جثثهم بعد ذلك في نفق تحت الأرض في منطقة رفح جنوبي غزة. وقالت إن الجنازات التي عقدت للأسرى تؤشر لحقيقة واحدة، وهي أن الهجوم الأول الذي نفذته “حماس” على إسرائيل، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أحدث صدمة ورعباً. إلا أن حجم العنف غير المتناسب الذي قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل جعله هدفاً لاتهامات بارتكاب إبادة جماعية، لا يمكن أن يمحو هذا الرعب. ومن الواضح أن القتل الأخير، يجعل من نتنياهو أكثر تصميماً على مواصلة الحرب التي لا ترحم، والتي تعد الآن أطول حرب تخوضها إسرائيل في تاريخها، حيث تتقدم نحو عامها الأول، وبخسارة كبيرة للأرواح، بما فيها أكثر من 40,000 مواطن فلسطيني، حسب وزارة صحة البلد.
وتقول الصحيفة إن الإسرائيليين يدعمون الحرب بشكل عام، حتى بعد فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة، أي تدمير “حماس”، واستعادة ما تبقى من الأسرى.
وقد تم تدمير كامل غزة تقريباً، ما يهدد باستمرار القتال وزيادة التهديدات. وبالتأكيد أصبحت إسرائيل، محلياً وجيوسياسياً أقل أمناً مما كانت عليه، في 6 تشرين الأول/أكتوبر. ومهما قيل عن الحرب فإن نتنياهو لم ينتصر فيها، وكانت استقالة زعيم المعارضة بيني غانتس من حكومة الحرب الدليل الأقوى، حول نفاد الصبر الذي يشعر به الكثيرون.
ولا يبدو نتنياهو مهتماً بهذا، لكن مشكلته المباشرة هي أن الغضب من فشل حكومته في التوصل لصفقة مع “حماس” أثار اضطرابات في داخل إسرائيل نفسها. فقد شلّت الحركة في تل أبيب ودفعت نقابات العمال للإعلان عن إضراب عام.
وقالت الصحيفة إن على نتنياهو، المعروف بمهاراته وقدراته على النجاة من الأزمات، أن يفكر بمستقبله. فمع أنه ظلَّ شخصية سياسية حاضرة في المشهد المحلي والدولي على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، وتولى منصب رئاسة الحكومة لـ17 عاماً، إلا أنه يظل شخصاً غير محصن، ويواجه أناساً غاضبين ويائسين يريدون إنقاذ الأسرى قبل فوات الأوان. ولو لم يظهر نتنياهو أي اهتمام بوقف إطلاق النار، فلن يصبح للأسرى وعائلاتهم أية قيمة لـ “حماس”، وستصبح حياتهم في خطر. واكتشف الإسرائيليون هذا، وهم يردّون على البيانات الدبلوماسية بحس عظيم من الحاجة المحلة. وأصبحت الضغوط لعقد صفقة تحرر الأسرى ووقف إطلاق النار كثيفة جداً، وربما أدت لنتيجة، على الأقل في ما يتعلق بالحكومة الإسرائيلية.
ويبذل أصدقاء إسرائيل في الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، جهوداً كبيرة من أجل التوصل إلى صفقة.
وكان القرار البريطاني بتعليق جزء من رخص بيع الأسلحة إلى إسرائيل إشارة عن حالة الإحباط من استمرار الحرب.
وذهب الرئيس الأمريكي جو بايدن بعيداً في القول إن نتنياهو لا يبذل الجهد الكافي لتحقيق صفقة وقف إطلاق النار.
وتبذل الدول في المناطق التي أقامت علاقات دبلوماسية، مثل مصر والأردن والإمارات، أو لم تقم مثل قطر والسعودية، كلَّ ما تستطيع للتوصل إلى صفقة.
وعلى نتنياهو، الذي قد يواجه الناخبين عاجلاً، إن لم يكن آجلاً، وفي حالة قادت الاضطرابات إلى عدم استقرار برلماني، الحذر والتفكير بعناية حول انتزاع هذه الجائزة غير المتوقعة والخروج من الخطر الحالي.
ومن الناحية الواقعية، قد يستمر نتنياهو في عناده، معتبراً أن “النصر” في الحرب لا يزال ممكناً ومفترضاً، بشكل صحيح، وأن أمريكا لن تتخلى عنه. ومن الناحية الواقعية أيضاً، ليس من الواضح أن “حماس” حريصة على وقف إطلاق النار، والتوصل إلى اتفاق حسب ما تريد، على الرغم من الموقف النظري للقيادة السياسية.
وتمت عدة محاولات، أكثر من عشرة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وفي الوقت الذي أعلن فيه بايدن وأمثاله بأن الصفقة باتت في متناول اليد، إلا أن الفشل في اللحظة الأخيرة يؤكد عدم صدق من أحد الجانبين، أو كليهما.
ومن الشاذ أن يفكر كل من نتنياهو و”حماس” بأن هناك ما يمكن كسبه من استمرار الحرب، بل وجرّ أمريكا وإيران فيها.
وكما هو الحال، فالشعب الفلسطيني في غزة هو من عانى، ولكنه ظل في أدنى حسابات من حولهم، وربما استطاع الإسرائيليون الغاضبون إحداث فرق.