إيران التي ستولد من الملاجىء

ساطع نورالدين

شارفت الحرب الأميركية الإسرائيلية على إيران على الانتهاء. الانتقال الى مرحلة طرح الأسئلة حول مستقبل النظام الإيراني، وما اذا كان يُتوقع تغييره من الداخل، بعدما انتهت عملية تغيير سلوكه في الخارج. حصيلة الحرب، حتى الآن، هي المقياس الأول لمدى جهوزية إيران لأي تغيير، في ظل قيادتها الدينية والعسكرية الحالية المقيمة في الملاجىء، ولن تخرج منها قريباً، حتى ولو توقف اطلاق النار.. مثلها مثل مختلف حلفائها العرب، المتخفين والمطاردين حالياً.
ما يرد من إيران، من خلف ألسنة اللهب، وأعمدة الدخان المتصاعدة حتى اللحظة، لا توحي بأن الاميركيين والإسرائيليين يمكن فجأة ان يحولوا طائراتهم وصواريخهم الى أسراب من الحمام. التفاوض تحت النار هو هدفهم الأول والأخير. وقف النار لن يتم إلا بشروط تعادل الاستسلام التام.. أو الإتيان بوجوه جديدة للحكم في طهران، تقدم فكرة جديدة عن إيران المستقبل، تترجم ما تحقق في السنوات القليلة الماضية من حقائق موضوعية أهمها أن إيران خسرت العراق لحساب أميركا عندما بالغت في مزاعم الهيمنة عليه، وأُخرجت من سوريا لحساب روسيا ثم تركيا، عندما اختلفت مع نظامها الاسدي السابق على الامن والسياسة والوظيفة، وعلى مبلغ خمسين مليار دولار أنفقتها عليه بين العامين 2011 و2020، وتركت لبنان بعدما فقدت حليفها الأقرب والأهم، وغادرت اليمن بعدما ضُرب حليفه الأقوى، ونأت بنفسها عن فلسطين بعدما تسبب حلفاؤها في غزة بكارثة مفتوحة.
خلاصة القول أن أفول الدور الامبراطوري المزعوم لإيران في المنطقة العربية، حصل قبل ان تبدأ الغارات الأميركية_الاسرائيلية على العمق الإيراني، التي تبدو الآن وكأنها حصاد متعجل لهزائم سابقة مُني بها نفوذ طهران العربي، المبالغ به أصلا والذي لم يكن نتاج فائض ضعف الدول والمجتمعات العربية التي نشط فيها الحرس الثوري الإيراني بماله وسلاحه. وكان خيار ايران بالذهاب الى المفاوضات مع الأميركيين في مسقط وروما، مجرد تسليم بتلك الهزائم، قابله الاميركيون والإسرائيليون، بالخداع والقوة الساحقة التي أحالت إيران خلال عشرة أيام الى بلد منكوب، وقيادتها الى سلطة مدمرة، متهالكة.
لكن الصورة الواردة من طهران، والتي تحجبها او تغطيها مشاهد الغارات المتواصلة، لا تزال متناقضة الى حد بعيد. كبرياء السلطة الحاكمة وجمهورها تعبر عن عصبية وطنية لا شك فيها، ممزوجة بغريزة الدفاع عن النفس في وجه حملة الإبادة الأميركية الإسرائيلية، التي لا تختلف عن تلك التي تستهدف غزة سوى بعدد المجازر المرتكبة بحق المدنيين على الجبهتين. الرهان على تضاؤل تلك العصبية، لا يبدو حتى الآن واقعياً، على الرغم من أن بنية السلطة الإيرانية وأعمار رموزها الدينية والعسكرية والسياسية، توحي بإمكان أن يتصدع ذلك الجدار من الداخل، بدءاً من خِلافة المرشد علي خامنئي، الى صراعه المكتوم مع الحرس، الى تهاوي المؤسسة الدينية أمام مدٍ شعبيٍ مناهض لها.
في المقابل، ثمة دلائل قدمتها وقائع الحرب نفسها، على أن عصبية السلطة أوهن مما كان يعتقد بكثير: الاختراق الإسرائيلي للدولة الإيرانية، من مكتب المرشد الى قيادة الحرس والجيش الى المجتمع برمته، يناقض بالجوهر سردية النظام عن العداء العقائدي لإسرائيل وأميركا طبعا. وليس تفصيلاً عابراً ان يضطر المرشد الى التخفي والتنقل بين الملاجىء، وأن تعيش قيادة الحرس، التي نجت حتى الآن من الغارات في خوف دائم من الاغتيال في أي مكان وفي أي لحظة، وأن يفوق عدد الجواسيس الإيرانيين الذين ألقي القبض عليهم في الأيام العشرة الماضية في طهران ومختلف المدن والمحافظات الإيرانية من دون استثناء، المعدلات الشائعة عالمياً في زمن الحروب! كل ذلك يشي بأنه ليس لدى إسرائيل حضورٌ في إيران، بل نفوذٌ أيضاً، كما يشي بأنه لن يكون لأميركا دورٌ في إيران، بل إرشاد من نوع مختلف.
أي إيران ستولد من رحم الحرب؟ شعبها يقرر. مرشدها يوقع. ترامب ينال جائزة نوبل !
بيروت في 23 / 6 / 2025