إيران.. الديكتاتورية الدينية في مأزق البقاء!

بقلم عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

 

على مدى أكثر من أربعة عقود، اعتمدت السلطة الدينية في إيران، بقيادة ولي الفقيه، على القمع الداخلي، وتصدير الإرهاب، والخداع الدولي، وانتهاك أبسط حقوق الشعب الإيراني لضمان بقائها. في هذا النظام، لا قيمة لحياة الناس وممتلكاتهم. فالولي الفقيه مستعد للتضحية بكل شيء من أجل الحفاظ على سلطته، بدءًا من الموارد الطبيعية للبلاد وصولاً إلى الجيل الشاب وصانع مستقبل المجتمع.

للحفاظ على بقائها، لا يقتصر هذا النظام على القمع المنهجي والإعدامات الواسعة للمعارضين، بل يهدد أيضًا الأمن والسلم الإقليمي والعالمي من خلال توسيع شبكاته الوكيلة والتدخلات الخارجية. لكن الحقيقة أن هناك قوة ظلت، على مر السنين، تكشف بلا كلل ولا هوادة عن الوجه الحقيقي لهذا النظام، وكانت صوت الشعب الإيراني في المحافل الدولية: المقاومة الإيرانية.

إن الدور المحوري للمقاومة الإيرانية، وخاصة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، في كشف المشاريع السرية للنظام، لا سيما في مجال الأسلحة النووية، والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وقمع النساء، والفساد المالي المنهجي، ونهب ثروات الشعب، لا يمكن إنكاره. لقد شكلت المعلومات التي كشفت عنها المقاومة أساسًا لقرارات وعقوبات دولية ضد النظام الإيراني، مما أثار غضب ولي الفقيه وكبار قادة النظام أكثر من أي شيء آخر.

 

بعد إصدار قرار مجلس المحافظين، رحبت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، على الفور بهذا القرار، وأكدت على ضرورة تفعيل آلية “الزناد” فورًا، وتطبيق القرارات الستة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإنهاء تخصيب اليورانيوم وتفكيك المنشآت النووية للنظام. وقالت إن هذا كان يجب أن يتم منذ وقت طويل، لكن بعد التقرير الشامل للوكالة، لم يعد هناك مجال للتأخير أو التردد. مع الإشارة إلى أن المشاريع النووية السرية في “إيوانكي” و”الكوير” بمحافظة سمنان، التي كشفت عنها المقاومة الإيرانية في 8 مايو و10 يونيو 2025، لم تُدرج بعد في هذا التقرير ولم تُخضع للتدقيق.

جدير بالذكر أنه في يوم الخميس 8 مايو 2025 كشف مكتب تمثيل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في واشنطن، خلال مؤتمر صحفي، بناءً على معلومات جديدة حصلت عليها شبكة منظمة مجاهدي خلق داخل إيران، عن مشروع جديد للمنظمة المسؤولة عن صناعة القنابل النووية، المعروفة بـ “سبند” (منظمة الأبحاث الدفاعية الحديثة)، لزيادة قدرة الأسلحة النووية. وفي هذا الكشف، أوضحت المقاومة الإيرانية تفاصيل الموقع السري لـ “سبند” في منطقة إيوانكي بمدينة كرمسار، المخصص لإنتاج أجزاء مختلفة من الأسلحة النووية.

أصدر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بيانًا في أعقاب قرار مجلس المحافظين 12 يونيو 2025 جاء فيه: إن الملالي الحاكمين لديهم سجل حافل بالخداع والتستر، ولو لم تكن هناك أعمال الكشف التي قامت بها المقاومة على مدى 34 عامًا، لكانوا قد حصلوا منذ زمن طويل على السلاح النووي. لم يلتزم هذا النظام أبدًا بالتزاماته بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وقرار مجلس الأمن رقم 2231، واستخدم المفاوضات دائمًا لكسب الوقت واستكمال مشاريعه النووية. كان الحصول على القنبلة النووية وتصدير الإرهاب وإشعال الحروب خارجيًا بمثابة الضمان الاستراتيجي لبقاء النظام. إن الإخفاقات الثقيلة التي مني بها النظام وقواته الوكيلة في المنطقة خلال العام الماضي زادت من حاجته إلى المشاريع النووية.

نظام يدّعي في الظاهر الدفاع عن الشعب والقيم الدينية، لكنه في الواقع لا يؤمن بكرامة الإنسان، بل هو العدو الأول لشعبه. يكفي أن يُفتح ملف واحد من ملفات هذا النظام العديدة في مجال حقوق الإنسان أو المشاريع التسليحية في المحافل الدولية، ليرى الجميع كيف حافظت السلطة الحالية في إيران على نفوذها عبر الأكاذيب والترهيب والقمع والاغتيالات على مر السنين.

إذا وُجدت إرادة جادة في المجتمع الدولي لمحاسبة هذا النظام، فإن فتح ملف واحد فقط من هذه الملفات يمكن أن يكون نقطة النهاية لهذه الديكتاتورية. ملفات مثل إعدام السجناء السياسيين في صيف عام 1988 أو إسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية، أو حتى الفساد الهائل الذي نهب ثروات البلاد لصالح قادة النظام، كل منها بمفرده وثيقة دامغة على جرائم هذا النظام.

في الوقت نفسه، يعاني المجتمع الإيراني منذ سنوات من هذه الديكتاتورية، وهو جاهز للإطاحة بها. لقد أظهرت الانتفاضات الشعبية من ديسمبر 2017 إلى الانتفاضة الوطنية عام 2022 مرات عديدة أن الشعب الإيراني لم يعد يرغب في استمرار هذا الوضع. لكن للأسف، سياسة الاسترضاء والتساهل مع هذا النظام من قبل بعض الحكومات شكلت العائق الرئيسي أمام تحقيق رغبة الشعب الإيراني في الحرية والديمقراطية.

استغل النظام الإيراني هذه السياسة، وسعى دائمًا من خلال وعود واهية بالمفاوضات أو الإصلاحات لكسب الوقت وتعزيز نفسه في مواجهة الأزمات الداخلية والدولية. أظهرت تجربة المفاوضات النووية أن النظام لم يلتزم أبدًا بالتزاماته، وفي كل مرة كان يتحايل على الاتفاقيات لمواصلة مشاريعه.

 

لكن الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة وقفوا في وجه سياسة الاسترضاء هذه. اليوم، تتطلع آمال الشعب إلى المقاومة الحقيقية؛ مقاومة أضعفت النظام بشدة، سواء داخليًا من خلال وحدات الانتفاضة، أو عالميًا عبر الكشف عن الانتهاكات وحملات حقوق الإنسان.

 

آن الأوان ليعترف المجتمع الدولي بهذه الحقيقة: إن الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع نظام يلجأ داخل بلاده إلى الإعدام والتعذيب، وخارج حدوده إلى الإرهاب وزعزعة استقرار المنطقة، ليس فقط أمرًا غير أخلاقي، بل هو أيضًا مضر بالأمن العالمي.

الحل الحقيقي الوحيد هو الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني والاعتراف بالبديل الديمقراطي الذي دفع ثمن النضال من أجل الحرية على مدى سنوات. مستقبل إيران بأيدي أبنائها الشجعان؛ أولئك الذين يهتفون بالحرية في الشوارع والأزقة، وليس في قاعات المفاوضات المظلمة لتجار السلطة.

كلمة أخيرة!

أظهرت التجربة أنه ما دام هذا النظام في السلطة، فلن يتوقف عن القمع، والإرهاب، وتصدير التطرف، وإشعال الحروب، ومتابعة مشاريعه النووية. الحل النهائي للتخلص من ديكتاتورية إرهابية تمتلك قنبلة نووية يكمن في تغيير هذا النظام على أيدي الشعب ومقاومته. كما أعلن آلاف المشرعين وقادة وشخصيات سياسية بارزة من دول مختلفة، يجب على المجتمع الدولي أن يعترف بحق الشعب والمقاومة في النضال ضد هذا النظام وتغييره.

إن ملف النظام النووي للديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران ليس سوى واحد من العديد من الملفات المناهضة للشعب التي ظلت مغلقة فيما يتعلق بإيران. كانت المقاومة الإيرانية هي الجهة الأولى التي بدأت بفتح هذا الملف. ولهذا السبب، فإن المنتصر الحقيقي في هذا الملف سيكون “المقاومة الإيرانية”. وبالتالي، هناك العديد من الملفات في إيران، فتح أي منها سيؤدي إلى تغيير جذري لهذا النظام.

***

*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني