في الذكرى العشرين … تحضر المكانة… من سدة الغياب… فيستقيمُ المكان في حضرة قامة يزيدها الغياب حضوراً، وثواء على ضفافٍ من ضياء . وتعود إلينا من حيث لم تمضِ.. عشرون عاما مضت.. وإننا لمحزونون على الغياب الذي أعلناه حزناً بليغاً عظيماً في لحظته، ولا يزال وقعه عظيماً مهيباً.. ولا يزال الحزن على وطأته جليلاً، موغلاً، موغراً على مدى ممرات ومنافذ القلب، لم تخفت من نشيجه.. بل أرسته عميقاً يقيم بين الضلع والنبض، والحزن في عمقه أشدّ إيلاماً بدويه القاتل. وإنْ كان انهمار الحزن هنا ليس للمناحة، بل وقوفاً على ذكرى حياة رائدة كفعل وجود لا فعل موت، سدّد ميثاقها ونازلها سيد الشهداء ياسر عرفات و جهاً لوجه، نزال المؤمن بحتمية الانتصار. غير أنّ الحزن ماكر، مختال، صلف النبرة عاليها، يتحدّى الصبر فينا، ولا تنطلي عليه مهابة الدمع المتواري خلف الجفون. يعبر إلينا، ينفذ إلى داخلنا، ينازلنا، يستفزنا، ويضرب بلؤم، حتى يفتت الروح. تأتي الذكرى العشرون … أيها القائد الشهيد وكم يليق بك اللقب.. أيها الأمين، يا من تسامى على الهتاف وعلت به الرتب … حمل معه فلسطين مستمسكًا بها عروة وثقى لا افصام لها تكيننت الارض في قلبه نبضًا ودمًا يجري. فنلت من المجدِ أعلى مراتب الشرف يستدير فيهما الزمان، ويرخي الوقت أيامه وساعاته ويظل الثابت الذي لا جدال فيه اننا فقدنا بطلاً شجاعًا وزعيماً جسوراً، وقائداً ورمزاً ورجلاً حمل في قلبه، وعقله، ووجدانه القضية الفلسطينية فكان وإياها كيانا واحدًا، تميز بالحكمة والشجاعة، واحتل بكاريزمته، وافعاله، وخطبه القلوب والعقول، عاش عمره وفيًا لتطلعات شعبه، ومقاوماً صلبًا لأعدائه، ارتسمت الأرض في قلبه، فكانت النبض والدم الذي يجري في شرايينه. تأتي الذكرى العشرون لرحيل الزعيم الخالد فينا ابد الدهر ياسر عرفات.. لتوقظ أقلامنا، وأحلامنا، وآمالنا، وتشحذ هممنا، تسترسل الكلمات المكبوتة في حناجرنا، ولتجدد فينا العزم على مواصلة النضال والمسيرة لتبعث فينا الأمل من جديد نحو النصر والتحرير. سلام الله عليك يا ابا عمار، سلام العيون التي استيقظت في صباحاتك المليئة بالحلم والعلم والنشيد، وتأبى اليوم ان تغفو على غيابك المذهل وارتقاء روحك العصية على الموت … سلام الرجالِ الأتقياءِ الذين ما زالوا ينتظرونك في صهيلك الباذخ، وزئيرك الرابض في حناجرنا …. سلام الوطن المتدثر بغيبوبة الوجع الفادح في اخر جولاتك وانتصارات رمحك … مثلك لا يغيب وقد توثبت حكمتك ورؤاك فينا.. نحن لا نرثيك في غيابك، لكننا نستلهم حضورك الخالد في نفوسنا، ثابتاً كالسيف، خالداً كالبحر، راسخاً كالحقيقة.. يسألون عن زمنك فنقول لهم هو ميقات الثبات على المبادئ، وأيقونة التمسك بالأهداف، ورمزية الثورة الفلسطينية التي دافعت عنها حتى الرمق الأخير. عهدا” لك أيها الخالد في وجداننا أننا سنبقى نرى فيك إرثاً مجيداً، ونبراس هدايـــــــــــة، ومعين عطاء مغروســــــــاً في قلوبنا وضمائرنا، مزروعــــاً في الحنايا والصدور، كما نؤكد أن مسيرتك النضالية مستمرة فينا، ومبادئك مصانة، وإنجازاتك منيعة، وقيمك أمانة. سلام الله عليك غائباً حاضراً.. سلام الله عليك من وطن عرفك في حياتك ويستحضر ذكراك الآن أكثر بعد رحيلك.. يا صاحب الشمائل العظيمة، ستبقى ذكراك الطيبة حية، يا ساكنا في نبضات قلوبنا، وفي حدقات عيوننا، وستبقى آية في سفر فلسطين مقدمة ومتنًا وختام مسك.
عضو الامانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام / شيكاغو*