اجتماع القاهرة هل يعيد تشكيل البنية الفلسطينية أم لإعادة تدوير الانقسام؟

بقلم: محمد سليم

عاد ملف الحوار الفلسطيني الداخلي إلى القاهرة، لكن هذه المرة تحت سقف مختلف: حرب توقفت، خرائط نفوذ مهتزة، وواقع إنساني ضاغط يُلزم الأطراف بتحديد شكل “اليوم التالي” في غزة. السؤال لم يعد: كيف نمنع الانقسام؟ بل: أي نموذج حكم وأي صيغة تمثيل ستولد من تحت ركام الحرب؟
أولاً: الضغط ليس داخلياً… بل من معادلة الخارج
الفصائل لا تجتمع هذه المرة لإنتاج وحدة بمبادرتها، بل لأن “الفراغ بعد وقف النار” بات تهديداً جماعياً. القاهرة وواشنطن والدوحة والأمم المتحدة كلها تتعامل مع إعادة الإعمار وتثبيت التهدئة بوصفها صفقة من بند واحد: لا مال ولا شرعية ولا إدارة بلا إطار فلسطيني منضبط.
بكلمات أوضح: المجتمع الدولي لن يموّل الفوضى ولن يشتغل مع واقع مزدوج السلطة.
ثانياً: ما الذي تغيّر في موقع الأطراف بعد الحرب؟
حماس تخرج بوزن تفاوضي فرضته كلفة الحرب وموقعها في ملف الأسرى، لكنها تخرج أيضاً منهكة بنيوياً في قطاع يحتاج لإدارة لا لمقاومة فقط.
السلطة الفلسطينية تقف أمام فرصة إعادة تعويم دولية، لكن بشرط إصلاح عميق وقدرة فعلية على الحكم لا مجرد مظلة سياسية.
الفصائل الأخرى تتعامل مع لحظة إعادة توزيع النفوذ: من يدخل دائرة الإدارة ومن يبقى في خطاب المعارضة.
هذا يخلق تناقضاً مركزياً: كل طرف يريد الدخول في “ما بعد الحرب” دون أن يدفع ثمن تغيير جذري في وظيفته.
ثالثاً: جوهر الخلاف لم يعد أيديولوجياً بل تقنياً – من يحكم وبأي صلاحيات؟
النقاش لم يعد حول “مشروعية المقاومة” أو “شرعية التفاوض”؛ هذه معارك تم حسمها ميدانياً. النزاع الآن على الهندسة:
هل تكون إدارة غزة انتقالية أم دائمة؟
من يعيّنها؟ ومن يمولها؟ ومن يملك الفيتو الأمني؟
هل يدمج سلاح المقاومة في بنية منظمة أم يبقى منفصلاً تحت تفاهمات غير معلنة؟
الاجتماع تجنب هذه الأسئلة لأنه يعرف أن الإجابة عليها تعني انتقالاً من بيان إلى التزام، ومن التزام إلى خسائر داخلية لأي طرف.
رابعاً: السيناريو الأكثر واقعية بعد القاهرة
المؤشرات تقود إلى صيغة تعايش مُدار لا وحدة مكتملة:
إدارة مدنية-تكنوقراطية لغزة بإشراف إقليمي-دولي، مع بقاء نفوذ الفصائل واقعاً لا عنواناً. ما يعني أن الانقسام لن يُلغى، بل سيُعاد تغليفه في شكل أقل استفزازاً للممولين وللضابطين الإقليميين.
خامساً: أين تُسجّل اللحظة في تاريخ القضية؟
اجتماع القاهرة بعد وقف النار ليس حدثاً عابراً، بل لحظة انتقال من “سياسة ما قبل الحرب” إلى “سياسة ما بعد القدرة”.
القوى الفلسطينية لم تعد تتفاوض من موقع الإرادة بل من موقع الحاجة: الحاجة لمن يدير، لمن يعيد الإعمار، لمن يفتح المعابر، ولمن يمنع الفوضى. ومن يدخل الترتيب الجديد سيكون جزءاً من رسم المرحلة، ومن يقف خارجها سيكون خارج قدرة التأثير لسنوات.
اجتماع الفصائل في القاهرة بعد وقف إطلاق النار ليس إعلان وحدة، بل بداية مفاوضة على شكل النظام الفلسطيني القادم. إذا خرجت منه آليات تنفيذ، قد نكون أمام أول خطوة لإعادة هندسة التمثيل والحكم بعد 17 عاماً من التوازي. وإذا بقي كلاماً بلا أدوات، فسنكون أمام إعادة إنتاج الانقسام بلغة أكثر تهذيباً، لكن بالجوهر ذاته