ارتدادات رفع العقوبات عن سوريا.. اغتيالات داخلية؟

سعد الدالاتي

فتح اللقاء المفاجئ الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض، باباً واسعاً للتكهنات حول مستقبل سوريا السياسي، لا سيما بعد الإعلان الأميركي عن رفع العقوبات عن دمشق. وبينما بدت هذه الخطوة تأكيداً لعودة سوريا إلى المسرح الدولي، فقد ترافقت مع وساطة ثلاثية تقودها الرياض إلى جانب أنقرة والدوحة، في محاولة لرسم معالم نظام إقليمي جديد تشارك فيه دمشق ضمن تحالفات جديدة.
لكن مع توقعات الانفراجات القريبة على الصعيد الاقتصادي لابد من الحديث على المستوى الأمني  المهدد بالانفجار عبر انقسامات  داخلية  رغم حساسية المرحلة، إلا أن الحكومة السورية قادرة على السيطرة على الأحداث المتوقعة، خاصة إذا تم تعزيز التنسيق مع التحالف الدولي، ما يساهم في تحييد المخاطر الأمنية وضمان استقرار تدريجي في عموم البلاد

مقاومة داخل النظام: صدام محتوم مع التيارات الرافضة للتدويل

في هذا السياق، يُتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة سلسلة من العمليات الأمنية والاغتيالات التي تستهدف أفرادًا بارزين داخل النظام ممن يرفضون الانخراط في التسوية الدولية، خصوصًا أولئك المحسوبين على تيارات ذات مرجعية دينية تشكل ثوابت  تعارض مبدأ الشراكة مع الغرب لأسباب عقدية. هذه الفئة، التي ترى في المصالحة مع واشنطن خروجًا عن “نهج الاسلام” أو “الشرعية الدينية”، قد تتحول إلى مصدر اضطراب داخلي، ما يفرض على الدولة اتخاذ خطوات استباقية لتحييدها أمنياً.

تمدد نحو البادية: إعادة إنتاج العنف في الأطراف

المرحلة التالية قد تشهد انحياز مجموعات رافضة للتسوية نحو البادية السورية، حيث البيئة الجغرافية الحاضنة والمفتوحة، ما قد يُمهّد لتمدد جديد للفوضى الأمنية. ومن المحتمل اندلاع أحداث أمنية في العاصمة دمشق، إلى جانب اشتباكات مسلحة في محيط البادية، نتيجة تمرد محلي أو تحركات معاكسة من قبل مجموعات عقائدية.

حملة أمنية متوقعة: الدولة تضبط إيقاع “التحول”

يُتوقع أن تطلق السلطات حملة اعتقالات واسعة تطال قيادات عسكرية ومدنية تعارض التوجه الدولي الجديد، وتحديداً أولئك الذين يرفضون الاعتراف بشرعية الاتفاق مع الولايات المتحدة. ويُخشى أن تؤدي هذه التطورات إلى إعادة تنشيط خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي سيحاول استغلال الفراغ العقائدي والسياسي لاحتواء عناصر منشقة من داخل الحكومة أو من الأطراف المهمّشة في التسوية.

تنظيم الدولة يهاجم الشرع: “على عتبة ترامب”

في افتتاحية صحيفته “النبأ”، هاجم تنظيم الدولة الرئيس أحمد الشرع بشدة، في مقال بعنوان: “على عتبة ترامب”، داعيًا “الجهاديين” الأجانب للانضمام إلى ما وصفه بـ”السرايا المنتشرة في الأرياف والأطراف”، محذرًا من أن يتحولوا إلى أدوات تستخدمها قوى إسلامية محلية لنيل الرضا الدولي. وتشير الافتتاحية ضمناً إلى وجود انتشار لعناصر التنظيم داخل مناطق تخضع لسيطرة الحكومة السورية.

الشرعية الدينية في مواجهة “سوريا بلد السلام”

أبرز ما ورد في الافتتاحية كان تركيز التنظيم على ما وصفه بـ”الخلاف الجوهري” بينه وبين النظام الجديد، حيث اعتبر أن “التوحيد مقابل الشرك، والإسلام مقابل الديمقراطية، وبين من سيدهم محمد وسيدهم ترامب”، هي أساس المعركة. وفي نقده للقاء الشرع–ترامب، قال التنظيم: “صار لقاؤه وإرضاؤه إنجازاً تاريخياً يحتفل به الثوريون، بينما يُترك الشرف في ساحة الأمويين بحجة رفع العقوبات الأميركية. فمن يرفع العقوبات الإلهية؟”
الافتتاحية وصفت الشرع بالخائن والتابع، واختُتمت بالإشارة إلى تصريحه أن “سوريا بلد السلام”، متسائلة بسخرية عن صدقية هذا الوصف مقابل ما يُنسب للنبي محمد بوصفها “أرض الملاحم”، في ما بدا استدعاءً دينيًا مباشرًا لمعادلة الشرعية العقائدية في مواجهة التسويات السياسية.

التحديات الأمنية القادمة: تحييد الجهاديين أم انفجار داخلي؟

تفرض هذه التحديات الأمنية على الحكومة السورية الانتقالية اتخاذ إجراءات صارمة لتحييد العناصر الراديكالية، سواء السورية أو الأجنبية، خصوصًا أولئك الذين يمتلكون خلفيات جهادية أو ارتباطات تنظيمية خارجية. إذ إن أي تهاون في هذا الملف قد يهدد بنسف عملية الانتقال السياسي من الداخل، ويحول البلاد إلى ساحة صراع جديدة بين أطراف “الثورة” نفسها، ولكن هذه المرة تحت شعارات دينية متضادة.
الدور السعودي: هندسة المشهد الانتقالي دينيًا وأمنيًا

ضمن معادلة التسوية الجديدة، لا يبدو الدور السعودي مقتصرًا على الوساطة السياسية فقط، بل يمتد ليشمل إعادة هندسة المشهد الأمني والديني في سوريا، بما يتماشى مع التوجه السعودي نحو “الإسلام المعتدل” ومكافحة التيارات المتطرفة. إذ تُظهر السعودية حرصًا متزايدًا على تحجيم النفوذ العقائدي الجهادي داخل الساحة السورية، سواء في صفوف المجموعات المسلحة أو حتى ضمن تركيبة الحكومة الجديدة، في محاولة لضمان استقرار داخلي طويل الأمد يتناغم مع الاستراتيجية الأمنية الإقليمية للمملكة.
كما أن الرياض، وبدعم خليجي عام، تسعى لإعادة تشكيل الحقل الديني السوري الرسمي، وإقصاء الفاعلين ذوي النزعة القطبية أو الجهادية لصالح تيارات دينية أكثر توافقًا مع السياق الإقليمي الجديد. ويوازي هذا التوجه رغبة واضحة في ربط الأمن المحلي السوري بشبكة أمنية إقليمية تقودها السعودية، بما يسمح للرياض بامتلاك أدوات استباقية لضبط أي ارتدادات أمنية محتملة.
وتنبع هذه الرؤية السعودية من قناعة استراتيجية مفادها أن استقرار سوريا ضرورة خليجية، ليس فقط لكسر حلقات النفوذ الإيراني المتغلغل في الدولة والمجتمع، بل أيضًا لمنع تحوّل الأراضي السورية إلى بيئة جذب للجهاديين القادمين من الخليج، كما حدث في العقدين الماضيين. من هنا، يظهر أن المملكة تنظر إلى سوريا بوصفها ساحة نفوذ قابلة لإعادة التوزيع، وتسعى لملء الفراغ السياسي والديني المحتمل، بهدف تقليص الحضور الإيراني وتحصين جبهتها الداخلية من الارتدادات الأيديولوجية

صحفي ومدون سوري

راي اليوم