أي التحديات أكبر، في سوريا أم في لبنان؟ سيختلف المراقبون لكنّ الغالبية ستذكر سوريا. بعد الفرحة المبدئية تبدأ التحديات بالظهور، فالقتال ما يزال ناشباً في شمال شرق سوريا بين الأكراد والقوات الموالية لتركيا. يصرّح الأتراك علناً بأنهم قد يضطرون لدخول مناطق «خفض التصعيد» السابقة بحجة وجود المسلحين الأكراد من أصل تركي، وأنقرة لا تقبل باستمرارهم على حدودها.
لماذا تسكت الولايات المتحدة، حامية الأكراد، فلا تضغط على تركيا لوقف القتال وبدء التفاوض؟ توسطت أميركا لهدنة لم تصمد، ويريد الأتراك وأنصارهم الدخول إلى «عين العرب» و«القامشلي» و«الرقة». ويخشى المراقبون من أن يتمكن الدواعش من الهروب من السجون التي يحرسها الأكراد. ومن الجهة الأخرى، من الجولان والجنوب، يتقدم الجيش الإسرائيلي فيما وراء المنطقة منزوعة السلاح، إلى محافظة درعا. وهذا فضلاً عن مئات الغارات التي شنها الإسرائيليون على سائر أنحاء سوريا لتدمير أسلحة الجيش السوري ومعسكراته.
وفي مناطق سوريا الأخرى التي تنتشر فيها قوات «هيئة تحرير الشام» تكثر الحوادث الفردية والكمائن، فيما لا يزال الجولاني يتلقى التهانئ من الطوائف والشخصيات في سوريا ولبنان والعالم الغربي. وقد اجتمع الأوروبيون وقالوا كلاماً طيباً عن مساعدة سوريا، لكنهم مترددون في رفع العقوبات، وفي إزالة اسم الجولاني عن قوائم الإرهاب، وينتظرون تلبية مطالبهم بشأن حفظ حقوق الأقليات والمرأة، وتحديد مواعيد للدستور الجديد وللانتخابات!
وفي لبنان تبرز التحديات بشأن استقرار وقف النار وسط التدخلات الإسرائيلية المتكررة، رغم بدء الجيش اللبناني بالانتشار في القرى المهدَّمة. ويجهد الجيش لمنع دخول فلول النظام السوري السابق إلى لبنان، لكن المئات منهم دخلوا بالفعل. وليس على لبنان عقوبات، لكنّ الوضع الاقتصادي سيئ جداً. إنما الأسوأ عودة الصراع على انتخاب رئيس الجمهورية عندما يجتمع مجلس النواب في 9 يناير عام 2025. وما قصّر الجولاني في التدخل، فرشح لرئاسة جمهورية لبنان قائد الجيش جوزف عون، وتبعه وليد جنبلاط، وتسير في الركاب كتل نيابية عديدة أهمها النواب السنة!
ولا يبدو رئيس حكومة تصريف الأعمال مهموماً بانتخاب الرئيس، بل ينشط لتغيير العلاقة بين لبنان وسوريا وتدبير المال لإعادة الإعمار. في حين يطالب كثيرون بإطلاق سراح المسجونين في سجن رومية ممن سُجنوا هناك منذ سنوات بسبب علاقتهم بالثورة السورية. وهكذا فإنّ السلطتين في سوريا ولبنان في وضع لا تُحسدان عليه. وإذا كانت وتيرة حركة مسؤولي السلطة الجديدة في سوريا بطيئة وغير محددة الاتجاهات، فإنّ النقاشات في لبنان تذكّر بالسنوات الماضية، بينما تنشط بعض جماعات المجتمع المدني وتهتم بقضية اللاجئين السوريين وضرورات خروجهم من لبنان.
تقع المسؤوليات الأولى في كل من سوريا ولبنان على الجهات المسيطرة التي يطلب منها الجميع حفظ الاستقرار ومواجهة الأزمات. والأمل ألا يترك العرب البلدين يغرقان! لـ«هيئة تحرير الشام» الإسلاموية، فيما يبدو، علاقات بتركيا وترتيبات مع الأميركيين. وقد بادر الأتراك والقطريون إلى فتح السفارات بدمشق. إسرائيل تعلن انتصارها على جيش غائب.
وروسيا تقول إنها لم تخسر. والإيرانيون يقولون إنه درسٌ مُرّ. والجولاني يقول إنّ إيران نزل بها في سوريا ما لم ينزل بها منذ أربعين عاماً. هناك إذاً جهات خائبة وأخرى منتشية. والمهم الآن، كما سبق القول، ضرورة الاحتضان العربي لسوريا بقضّها وقضيضها. وضروري أيضاً أن يهتم السوريون المقتدرون في الخارج بإعادة إعمار بلادهم التي اشتركت الجهات المحلية والإقليمية والدولية في تخريبها!
* نقلا عن الاتحاد