شكّلت الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، المنعقدة في سبتمبر 2025، محطة استثنائية وتاريخية تمّ خلالها تجديد الاعتراف الدولي بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، استنادًا إلى القرار الأممي 181 الصادر عام 1947.
وبعد مرور 78 عامًا على صدور هذا القرار، لا يزال الشعب الفلسطيني يواصل نضاله المشروع لنيل حقوقه الوطنية، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، رغم ما تكبده من أثمان باهظة من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمعاناة اليومية تحت الاحتلال.
إن تصاعد المواقف الدولية الداعمة لفلسطين يعكس تحوّلًا واضحًا في الرأي العام العالمي، حيث طالبت العديد من الدول بشكل صريح بإنهاء الاحتلال وتطبيق قرارات الشرعية الدولية. ويأتي هذا التطور في ظل استمرار السياسات الإسرائيلية الاستيطانية والعنصرية، ما جعل من تنفيذ هذا الاستحقاق أمرًا لا يمكن تأجيله أكثر.
موقف الولايات المتحدة والتغيرات المحتملة
قد تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى التماشي مع هذا المسار السياسي الدولي، خاصة في ظل تغير المشهد السياسي الداخلي مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس دونالد ترامب – أحد أبرز الداعمين للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال العامين الماضيين، والتي وُصفت بأنها حرب إبادة جماعية بحق المدنيين.
كما يجري الحديث عن مرحلة انتقالية تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات لتسلُّم الدولة الفلسطينية زمام الأمور، ما يتيح ترتيب الأوضاع السياسية والمؤسساتية اللازمة لضمان قيام الدولة.
الرفض الشعبي والرسمي للتهجير
أحد أبرز أسباب فشل المخططات الإسرائيلية يتمثل في الرفض الفلسطيني الشعبي والرسمي القاطع لفكرة التهجير القسري، خاصة أن غالبية سكان قطاع غزة والضفة الغربية هم أصلًا لاجئون تم تهجيرهم قسرًا منذ نكبة عام 1948.
إلى جانب ذلك، لعبت كل من مصر والأردن أدوارًا محورية في إحباط مشاريع التهجير:
• الموقف المصري كان استراتيجيًا في حماية الأمن القومي المصري، حيث رفضت القاهرة أي مساعٍ لترحيل سكان غزة إلى سيناء، معتبرة أن ذلك بمثابة تصفية نهائية للقضية الفلسطينية.
• الأردن تمسك بموقف ثابت رافض لأي مشروع تهجير من غزة أو الضفة الغربية، إدراكًا للمخاطر الديموغرافية والسياسية التي يحملها مشروع “الوطن البديل”، الذي تسعى أطراف يمينية إسرائيلية إلى فرضه عبر ضم الضفة الغربية ودفع الفلسطينيين نحو الأردن.
من هنا، بات من الضروري تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، وكذلك تأكيد الهوية الأردنية الهاشمية، بشكل مستقل، ريثما تُقام الدولة الفلسطينية ويتم التوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين.
المجازر الإسرائيلية في غزة وفضح الاحتلال
لم يسبق أن شهد العالم حملة تدمير ممنهجة كالتي نفذها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث ارتُكبت جرائم إبادة ومجازر مروعة طالت المدنيين، وشملت قصف المستشفيات والمدارس والمنازل ومراكز الإيواء، بل والمقابر وسيارات الإسعاف.
وتفاخر مسؤولو الاحتلال، بمن فيهم نتنياهو ووزراء في الحكومة، بهذه الأعمال الوحشية، التي تجاوزت في أسلوبها ومضمونها فظائع الأنظمة الفاشية والنازية. وقد نُقلت مشاهد هذه الجرائم على شاشات التلفزة العالمية، وأثارت موجات غضب عارمة.
من أبرز ضحايا هذه الحرب الإعلاميون، إذ قُتل أكثر من 240 صحفيًا وصحفية خلال تغطيتهم للمجازر، في محاولة من الاحتلال لإسكات الصوت الفلسطيني وكتم الحقيقة.
تحولات في المواقف الدولية
شهدت شوارع أوروبا والولايات المتحدة مظاهرات حاشدة تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي، بل وعزل “إسرائيل” دوليًا، وهو ما شكّل ضغطًا سياسيًا هائلًا على الحكومات الغربية التي لم تعد قادرة على تبرير جرائم الاحتلال أمام شعوبها.
وقد ساهمت هذه التحركات، إلى جانب التدهور المستمر للأوضاع في غزة، في تبلور موقف دولي جديد أكثر انفتاحًا تجاه إقامة الدولة الفلسطينية كحل لا مفرّ منه.
حتى داخل “إسرائيل”، خرجت مظاهرات تطالب بوقف الحرب وإنهاء أزمة المحتجزين الإسرائيليين في غزة، ما أحرج حكومة نتنياهو التي استغلت هذه الورقة لتبرير عدوانها الوحشي.
الخلاصة
لم تعد الدولة الفلسطينية مجرد فكرة أو شعار، بل أصبحت خيارًا واقعيًا وضرورة سياسية وأخلاقية وأمنية للعالم أجمع.
وقد عبّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن هذا التوجه بشكل واضح، مؤكدًا أن الدورة الـ80 شكّلت ولادة سياسية لدولة فلسطين، ورسالة قوية من المجتمع الدولي بأن زمن الاحتلال قد شارف على نهايته.
Omranalkhateeb4@gmail.com