أن حكم محكمة العدل الدولية ومن ثم قرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مع سلبياته حول الحرب في قطاع غزة يعد حكما تاريخيا ومن شأنه أن يجعل من إسرائيل دولة مارقة ومنبوذة.
منذ ذلك الحين تخضع تصرفات إسرائيل في حرب غزة للتدقيق القانوني الذي قد تكون له عواقب مهمة بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، في لاهاي، سلسلة من الإجراءات الاحترازية الملزمة لإسرائيل، التي تعترف بسلطة المحكمة. وتهدف هذه الإجراءات إلى تخفيف الوضع اليائس الذي يعيشه السكان المدنيون في القطاع وتجنب أي عمل يشكل إبادة جماعية وفقا لاتفاقية عام 1948. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تفرض الالتزام بعدم تدمير أي دليل من شأنه أن يدين إسرائيل.
المحكمة لم ترفض الجزء الأكثر أهمية من الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل وهي نية الإبادة الجماعية ضد السكان الفلسطينيين .
ومنذ قراءة القرار، أصبحت حكومة نتنياهو ملزمة باتخاذ “جميع التدابير اللازمة” لتجنب انتهاك المادة 2 من الاتفاقية، التي تكسر سلسلة من الأعمال التي تعتبر إبادة جماعية مثل قتل أفراد مجموعة قومية أو عرقية أو عنصرية أو دينية، أو أضرار جسيمة بالسلامة الجسدية أو العقلية لأعضائها، أو إخضاع تلك الجماعة عمدا لظروف معيشية من شأنها أن تؤدي إلى تدميرها الجسدي، كليا أو جزئيا.
على أن المحكمة لم ترفض الجزء الأكثر أهمية من الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في نهاية ديسمبر الماضي: “نية الإبادة الجماعية” ضد السكان الفلسطينيين. وترى أن هناك مؤشرات لتقييم الاتهام الخطير، لكنها تدرك أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا قبل أن يصدر حكم في هذا الشأن، وتأمر بسلسلة من الإجراءات ذات الأثر الفوري لوقف ما يحدث والحفاظ على أدلة الجريمة ويجب على نتنياهو أن يقدم أدلة خلال شهر على أنه يلتزم في الواقع بأحكام الهيئة القضائية التابعة للأمم المتحدة.
للمرة الأولى، يواجه بنيامين نتنياهو نظاماً دولياً يؤدي عدم الامتثال له إلى عواقب بعيدة المدى أكثر من التجاهل المعتاد لقرارات الأمم المتحدة
و لأول مره يواجه نتنياهو و اعضاء من حكومته أمرا أو تهديدا بالاعتقال .
لكن القرار مع مساواته للضحية بالجلاد لكنه قد يجعل من إسرائيل دولة مارقة ومنبوذة، و يضع علامات استفهام على الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط كما تدعي اسرائيل دولة الكيان.
كما لم يحدث من قبل، هو حكم للمرة الأولى، يواجه بنيامين نتنياهو نظاماً دولياً يؤدي عدم الامتثال له إلى عواقب بعيدة المدى أكثر من التجاهل المعتاد لقرارات الأمم المتحدة التي اعتادت اسرائيل على تجاهلها ، وهو الأمر الذي ممكن أن يحدث مرة أخرى لو طلبت محكمة العدل الدولية وقفاً فورياً لإطلاق النار.
إن أفعاله في غزة قد تؤدي بإسرائيل إلى المحاكمة بتهمة الإبادة الجماعية ـ وهي المفارقة التاريخية التي تخجل العديد من مواطنيه و جعلت من الإسرائيلي أن يخجل حتى أن ينكر نفسه أو يخفي جنسيته في بعض دول العالم الأمر الذي يدمر صورة اسرائيل و سرديتها أمام العالم الذي عملت على تجميليها أمام العالم لسنوات .
وإن خطر تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة دولياً قد يزيد أيضاً من الإرث الكارثي الذي خلفه رئيس وزرائها.
كما قال محللون أمريكيون إن قرار محكمة العدل الدولية، بشأن ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمنع الإبادة الجماعية في غزة يشكل اختباراً أيضا للدعم غير الأخلاقي الذي يقدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن للحرب الإسرائيلية على غزة وسط ضغوط دولية متزايدة لوقف إطلاق النار، خاصة وأن الولايات المتحدة دفعت الدول الأخرى إلى احترام قرارات المحكمة الدولية في قضايا أخرى.
مما يجعل الولايات المتحدة أن تجد صعوبة في قبول عدم امتثال إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية .
الولايات المتحدة أيدت بقوة الأوامر المؤقتة الصادرة عن المحكمة فيما يتعلق بأوكرانيا وميانمار وسوريا.
لقد أخذت إسرائيل هذه القضية على محمل الجد لأن أوامر المحكمة لها تأثير حقيقي ويتوقع جميع الحلفاء الرئيسيين الآخرين للولايات المتحدة أن تمتثل إسرائيل للأوامر، بحيث تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها تعامل على أنها منبوذة إذا تحدت الأوامر وبأن مسؤوليها أصبحوا مهددين وان هناك من يمكن أن يحاسبهم على جرائمهم .