تسيطر على إسرائيل حالة من الابتهاج الغامر، وشعور كبير بالرضا والسعادة العميقة، لم تعشها منذ عقود طويلة، بوصولها لأحد القادة الإيرانيين الذين تطاردهم منذ سنوات طويلة، لتوجه الضربة الأكثر إيلاما لإيران، لكن شظاياها وصلت أبعد كثيرا من بلاد الفرس، وهي ضربة معنوية وصلت أصداؤها لكثير من جبهات ما يسمى “محور المقاومة” الذي اهتزّ مع الرجة التي تعرض لها “فيلق القدس” في الحرس الجمهوري الايراني.
سعيد إيْزادي، الرجل الأبرز في فيلق القدس الإيراني، الذي كان مسؤولا عن أهم الشرايين الحيوية التي تربط طهران بأذرعها في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والذي شاغل إسرائيل لعقود، قبل أن تغتاله ضمن سياسة “جز العشب” ضد خصومها الإقليميين، وهو تطور لافت خصوصا وأنه لم يكن مجرد شخصية عسكرية فقط، بل شغل منصبا حساسا في وحدة العمليات الخارجية في فيلق القدس، وكان يُعرف بأنه “مهندس التمويل” في شبكة الدعم الإيرانية لحماس والجهاد الإسلامي، حيث كان يحوّل ملايين الدولارات شهريا إلى غزة، بطرق سرية وغير مباشرة.
باغتيال “مهندس التمويل” فقد ما يسمى محور المقاومة الشخصية الأكثر حضورا وتأثيرا على أرض الواقع والذي كان بعيدا عن الأضواء، لكن الحقيقة أن اغتياله ضربة كبيرة لإيران تكمن شدتها على مستوى التنسيق اللوجستي بين إيران ووكلائها، خصوصا مع حركة حماس في ظل الحرب المستمرة منذ قرابة العامين، والتي تشهد عزلة متزايدة لحماس بعد أن دفعت الأثمان الكبرى دون أن تتحرك الجبهات الأخرى بفاعلية لصالحها، بعد الضربات التي تعرض لها المحور بدءا من أداء الحركة المتواضع وقدرة إسرائيل على اجتياح كل مناطق غزة وإقامة محاور دائمة واغتيال رئيس الحركة إسماعيل هنية في إيران، وقبلها اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله والكثير من القادة الإيرانيين، كانت إسرائيل تراكم نجاحات توجتها بالوصول للرجل الأهم في المحور، ما سيترك آثارا معنوية ونفسية على باقي مكوناته.
لا يمكن فهم عملية الاغتيال، إلا أنها رسالة تصميم وتأكيد إسرائيلية على أنها ماضية في طريقها الذي بدأته في غزة مرورا بلبنان وسوريا واليمن لينتهي في طهران عاصمة التمدد الإيراني في المنطقة، وتفكيك البنية التحتية الإقليمية لدعم حماس، في كل الميادين العسكرية والتمويل والتسلح، خصوصا وأنها اغتالت منذ بداية الحرب، سلسلة من الشخصيات الإيرانية واللبنانية والفلسطينية ذات الصلة بتهريب السلاح والمال إلى غزة.
بلغة العقل والمنطق، فإن حماس فقدت أهم مفاتيح الدعم الإيراني في المنطقة بعد اغتيال إيْزادي، في الوقت الذي تعيش فيه ضغوط مالية ضخمة بسبب الحصار الإسرائيلي المتواصل وتدمير البنية التحتية في غزة، ومع تقليص قدرة إيران على دعمها اللوجستي، تبدو الحركة الآن في مواجهة أكثر تعقيدا، حيث تقلص الدعم الخارجي وتراجعت الجبهات المتضامنة، في ظل امتلاك إسرائيل معلومات استخباراتية دقيقة وقدرة عملياتية مرنة، تسمح لها بهذا النجاح حتى خارج حدودها.
الحقيقة، أن موازين القوى تغيرت كثيرا وبشكل سريع جدا، كنا نظن ما نعيشه اليوم يحتاج سنوات، لكن المحور الإيراني الذي كان يُراهن عليه لخلق “تعدد جبهات” في مواجهة إسرائيل، أصبح نمرا من كرتون وضعيف لدرجة أنه بدا مترددا في دخول مواجهة شاملة، ما جعل حماس تُركن على نفسها في معركة استنزاف قد تطول جدا.
بالنسبة لمحور ايران، فإن الخسارة كبيرة في غياب “رجل التمويل” لأذرعها في المنطقة، لكن الأسوأ أن تسجل إسرائيل التي تقوم بكل هذه الإبادة، هذا القدر من النجاح الكبير لتعيش هذه النشوة ويعيش خصومها كل هذا الانكسار.
إسرائيل تسجل اختراقات لكن هل تحسم تلك معاركها؟ هل تنجح في دفع إيران صاحبة “النفس الطويل” إلى الاستسلام، أم أنها تسرّع من مواجهة إقليمية أكبر الكل يخشاها؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.