شهدت وسائل التواصل الاجتماعي اجتياحًا كبيرًا من معاني الحزن، أو على العكس من ذلك الابتهاج باغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بنيران الطائرات الغازية والمعادية الصهيونية، وما كان ذلك الا لاختلاف النظر للحزب ورئيسه وممارساته خارج لبنان من جهة ، فحيث يحتفل الإسرائيليون بقتل نصرالله فإن الوضع مفهوم من قبل عدو أساسي لا يتواني عن ممارسة كل أشكال القتل والتفجير سواء داخل فلسطين أو لبنان أو سوريا أو غيرها، لا سيما وإن النشوة الصهيونية بعد إحالة غزة الى ركام، وقتل شعبنا الفلسطيني وإبادته ثم من هجماتها على لبنان قد أدت لتزايد حالة الغرور المفضي للسقوط لا محالة.
والى ذلك فإنك تجد على جبهة المبتهجين العلنيين عدد من السوريين المتضررين من النظام السوري والمتدخلين نصرة له كحزب الله، الذين انتشرت صورهم يحتفلون بمقتل الرجل وإن كان من تفهّم للبعض لمشاعرهم نتيجة تورط الحزب في وحل ومستنقع سوريا، كما في دول عربية أخرى مغتاظة حتى اليوم، بناء على مطلب الولي الفقيه القابع في طهران، فإنك تجد العديد من العرب والفلسطينيين يجدون في مقتله خسارة لمحور “الممانعة والمقاومة” الذي تقوده إيران، دون أن تحارب عنه كما اعتقد الكثيرون خاصة بعد استشهاد اسماعيل هنية في إيران وبتهديدات بلا فعل على أرض الواقع.
فكرة الحزن أو الابتهاج لا تعني شيئًا لرجل السياسة الذي ينظر أولًا واخيرًا للمصالح فهي إما مصالح بلاده (وفيها من المفترض كل القيم) أو حزبه او مصالحه الشخصية (بالإطار نجح “نتنياهو” بدمج كل هذه المصالح معًا وفي شخصه، وإرضاء لوحشية نظامه وحلمه بحكم المنطقة)، لذا فإن التقدير للحدث الذي بدأ بالهجوم الفاشي على غزة ثم الضفة ثم لبنان وما تم مؤخرًا من تحطيم القوة الإلكترونية للحزب وتصفية قياداته لا شك ستكون فاتحة لصفحة جديدة من تاريخ الغلو بالعدوان الصهيوني-الامريكي المستمر منذ أكثر من 100 عام ضد فلسطين والأمة العربية والاسلامية..
قلنا فيما سبق من مقالات لنا أن نتنياهو لديه ثلاث طبقات من الأهداف بحربه على الدولة الفلسطينية من بوابة غزة ثم الضفة، والطبقة الأولى هي ما يقوله بلسانه من كسر حركة حماس وإعادة المخطوفين، والطبقة الثانية هي أن يتوج ملكًا للكيان الصهيوني غير قابل للمسّ به، بينما الطبقة العميقة الأساسية او الثالثة هي تحطيم أي أسس أو أمل أو حلم لدى الفلسطينيين عامة والأمة ولدى الفلسطيني بإمكانية استقلال دولة فلسطين القائمة ولكنها تحت الاحتلال، ف”لا حماسستان ولا فتحستان” بغزة او الضفة كما غرّد، وما كان من جنوح خطابه الأخير بالامم المتحدة ليعتبر نفسه “المرشد الأعلى” لمحور الاعتدال! الا في هذا السياق في مقابل محور الممانعة!
وما قلناه عن “نتنياهو” منذ بداية العدوان الفاشي على شعبنا في غزة 2023-2024م لم يتغير فالرجل كان واضحًا في عدائه المنظم والمطلق للأمة العربية عامة، ولفلسطين منذ أطلق كتابه المرعب والواضح المسمى: مكان بين الأمم عام 1996م، والذي قال فيه التطرف والغلو الكثير الذي منه “إنَّ السلام الذي تستطيع “إسرائيل” أن تتوقع الحصول عليه مع العرب هو سلام الردع فقط…” أي بالقوة وبالقوة فقط. وكل ما جرى بما يسمى مسار السلام ثم منذ اغتيال رابين ثم اغتيال الخالد ياسر عرفات، كما قال د.عمرو الشوبكي إنما هو مسار”على مدار 30 عاماً كان تفريغ الحل السلمي من مضمونه بموقفٍ عقائدي وسياسي، من قِبل النخب المسيطرة في “إسرائيل”، ومعادٍ للتسوية السلمية وحل الدولتين”.
والأمر كذلك فهو ما جعل “نتنياهو” يتفاخر الى حد التِيه والخيلاء في الأمم المتحدة حين هدّد وتوعد وتهكم وصرخ وكذب كعادته، ثم حاملًا البندقية بكلتا يديه مهدّدًا دولة فلسطين، وكل الدول العربية والمنطقة قائلًا: “لا يوجد مكان في إيران لا تستطيع الذراع الطويلة ل”إسرائيل” الوصول إليه. وهذا ينطبق على الشرق الأوسط بأكمله”. ثم مكررًا أنه يحقق انتصاره خاصة بعد كلمته المنتشية إثر اغتيال نصر الله.
إن القوة النارية الإسرائيلية التي أصبحت من زمن ضمن القيادة الوسطى للجيش الأمريكي برزت فعالة بوضوح العدوان الثنائي المشترك الذي تلعب فيه أمريكا دور الداعم الرئيسي من جهة، ودور المبرّر للقتل والإبادة، أوكمن يرشّ الملح على الجراح، والى ذلك تلعب دور الوسيط “الوهمي”، حيث تتغطى بوجه وتقوم بأفعال مناقضة تمامًا لما تبديه أمام العرب والعالم. وفي هكذا حالة كيف لمثل اليمين الإسرائيلي ألا يتجلى ويعلن فرحه وابتهاجه العظيم بحرب إبادته (الربانية الأسطورية) ضد لبنان وفلسطين، والامة في قادم الزمن!؟
ليس الفرح أو الحزن ما يحرّك الدول الكبرى أو الاقليمية، وهو ما ينطبق على اللاعب الرئيسي بالمنطقة إضافة الى “إسرائيل”، أي إيران العقل الامبراطوري، وعليه من غير المتوقع أن يرى أحد من المتأملين خيرًا بالمحور وقادته أن يكون على مقدار حدث الاغتيال الأخير لرئيس الحزب الموالي لإيران في لبنان، وفي ذلك قال الوزير الكويتي السابق سعد بن طفلة العجمي في مقاله: “إن كانت إيران تقول إن “المقاومة” اللبنانية، وتعني بذلك حزبها “حزب الله”، قادرة على التصدي ل”إسرائيل” لوحدها، فقد قصمت “إسرائيل” ظهر الحزب عملياً في لبنان، ولم يبقَ أمام إيران إلا المواجهة المباشرة مع “إسرائيل” إن كانت صادقة بتعبئتها الخطابية بتحرير فلسطين، أو في الأقل للانتقام من اغتيال إسماعيل هنية ثم اغتيال رجلها الأول في المنطقة حسن نصرالله”. ونقول أن الجواب جاء قبل الحدث من الرئيس الإيراني ذاته حين انتشر تسجيل صوتي من تصريحات بزشكيان، يقول فيه إن “إيران مستعدة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت “إسرائيل” أسلحتها جانباً، وأن تأتي منظمة دولية إلى المنطقة لتوفير الأمن”. مضيفًا نحن أي إيران “لا نعادي الولايات المتحدة، عليها أن توقف عداءها تجاهنا من خلال إظهار حسن نيتها عملياً، نحن إخوة للأميركيين أيضاً”. فهل نضحك أم نحزن!
ليتوقف المتفرجون على جانبي خط المواجهة الالكترونية في وسائل التواصل (التبعثر) الاجتماعي ويقوموا ببناء ذواتهم ووعيهم ودراسة التاريخ الحضاري العربي الإسلامي، واخذ العبر خاصة في مواجهة عقلية الاستخراب (الاستعمار) الغربي، ووريثها الرسمي أي اليمين الصهيوني أفضل من التشاتم على جانبي الخط، أو التظاهر بالفرح أو الحزن، فيفيدون أنفسهم من جهة ثم دوائر تأثيرهم، ويضاعفون من سعرات الوعي والعقل الابداعي والنقدي ليفهموا أن النضال على قاعدة “وأعدوأ” طويل والمسيرة شاقة، والاجيال لا ترحم، ولن تتخلى قط عن فلسطين، مهما كان من أمر منظمات أو أنظمة سادت ثم بادت على ظهر فلسطين.