تظهر الأحداث الأخيرة، بما في ذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وتعيين يحيى السنوار خلفاً له، تصاعد التوترات في المنطقة وتفاعلاتها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وبينما قد يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يمتلك قدرات خارقة بسبب استمراره في الحكم وتأثيره المستمر، إلا أنه يعتمد في الحقيقة على استراتيجيات سابقيه، فكما انتهجت جولدا مائير سياسة الاغتيالات عقب عملية ميونيخ 1972، يتّبع نتنياهو نفس النهج. ورغم نجاحه نوعاً ما في السيطرة على العاصفة، فإن الوضع اليوم يختلف عن الماضي، وهذه السيطرة تبقى مؤقتة في ظل الأحداث والتحديات المتسارعة التي سرعان ما ستضعه في عين العاصفة.
تثير حادثة اغتيال هنية نقاشات حول رد فعل إيران المحتمل، حيث يُتوقع أن يكون الرد الإيراني سعياً لاستعادة الهيبة وتعزيز النفوذ الإقليمي، وليس مجرد انتقام لشخص هنية. وفي حين يترقب الجميع تحركاً إيرانياً، يشير محللون وخبراء إلى أن طهران قد تكون مشغولة بتحضير دفاعاتها في مواجهة أي رد فعل محتمل، مما يعكس مدى تعقيد الردع المتبادل في المنطقة.
تواجه إسرائيل أيضاً مخاوف متزايدة من تصاعد الأوضاع على الجبهة الشمالية واحتمال هجوم من “حزب الله”. وفي الوقت نفسه، تزداد المخاوف من تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية، التي تعتبرها إسرائيل جبهة قابلة للاشتعال. وتقوم إسرائيل بجهود مكثفة لمواجهة عمليات محتملة من خلايا فلسطينية في الضفة، مستفيدة من التوتر الإقليمي. ورغم زعم الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” اكتشاف مسار جديد لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى الضفة، إلا أن المحللين يشيرون إلى عدم وجود بنية تحتية عسكرية لحركة حماس في الضفة. ومع ذلك، قد تؤدي الضغوط المتزايدة إلى انفجار شعبي شامل.
في نفس الوقت، كشفت عملية اغتيال هنية عن الخلافات الداخلية في حركة حماس، التي تعاني من انقسامات بين قياداتها في الداخل والخارج وبين المحاور الإقليمية المؤثرة. وقد جاء تعيين يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس خلفاً لإسماعيل هنية في سياق التصعيد الإسرائيلي المستمر ضد قادة الحركة، ويعكس تصميماً من حماس على مواجهة إسرائيل من داخل غزة، حيث يتمتع السنوار بخبرة طويلة في العمل الميداني والعسكري، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً لإسرائيل التي لم تتمكن من الوصول إليه حتى الآن.
يشير تجاهل إسرائيل للتمييز بين القادة العسكريين والسياسيين في عمليات الاغتيال إلى استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى إضعاف الحركة ككل، بغض النظر عن دور الفرد المستهدف. وعلى الرغم من أن هذا النهج الإسرائيلي قد يكون فعالاً من منظور أمني ضيق، فقد دفع حماس لاختيار قائد ميداني مثل السنوار لتولي القيادة السياسية، مما يعزز تماسك الجناحين العسكري والسياسي في الحركة.
إن تعيين السنوار، الذي له تاريخ طويل كمقاتل وأسير سابق في السجون الإسرائيلية، قد يشير إلى إمكانية التعامل مع إسرائيل بطريقة مختلفة، خاصة في مجال المفاوضات حول الأسرى، وتجربته السابقة في التفاوض مع إدارة مصلحة السجون قد تمنحه القدرة على التفاوض مع إسرائيل بطريقة قد تكون أكثر حنكة ودهاء.
هذا التعيين قد يسهم في تعقيد الأوضاع السياسية والميدانية، لكنه قد يفتح أيضاً الباب أمام سيناريوهات غير متوقعة. ومن الممكن أن يؤدي التصلب والتشدد من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى نتائج غير متوقعة، وقد يدفع الطرفين إلى التفاهم في مواقف معينة حتى وإن كانت تلك التفاهمات تأتي من منطلقات تكتيكية بحتة.
على الصعيد الدولي، تعكس التوترات المتزايدة في المنطقة والتدريبات النووية التكتيكية التي تقوم بها روسيا، والتي تهدف إلى إبراز قوتها العسكرية والضغط على السياسات الغربية، التوجه نحو نظام متعدد الأقطاب. حيث تتنافس القوى الكبرى على النفوذ العالمي، خاصة في الشرق الأوسط، مما قد يدفع الدول الإقليمية إلى إعادة تقييم تحالفاتها واستراتيجياتها لضمان استقرارها وتحقيق مصالحها الوطنية.
في ظل هذه الديناميات، يتعين على القوى الفلسطينية متابعة الأوضاع بعناية وفهم التحديات الإقليمية والدولية. ويفترض أن تسهم حادثة اغتيال إسماعيل هنية في تعزيز مناخات التلاقي والحوار بين حركتي فتح وحماس، بما يضمن إرساء قواعد الوحدة الوطنية، وبناء جبهة فلسطينية موحدة للتصدي لسياسات الاحتلال وخططه الاستعمارية، وتعزيز الثقة والتضامن الشعبي وتقوية الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية.