الأرض والشعب والمخيم… الشاهد والشهيد

موفق مطر

مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، الشاهد والشهيد، فهي الشاهد على مؤامرة الدول الاستعمارية، وعقلية التهجير القسري الناظمة لسياساتها، وعلى محاولات ابادة ذاكرة الشعب الفلسطيني، واجتثاث جذوره التاريخية، وطمس هويته الوطنية والثقافية، والشاهد على منفذ جريمة (نكبة 1948) التاريخية، ومسؤولية منظومة الاحتلال الاستعماري الصهيونية (اسرائيل) فهذا معلوم، ومعروف، وموثق، لمن شاء من امة الانسانية، بلوغ (المعرفة) خالية من التزييف والتحريف والتزوير!

فالنكبة المؤرخة في 15 مايو/ ايار سنة 1948، ارهصت التنظيمات الارهابية الصهيونية المسلحة لها بمذابح ومجازر، وبعمليات استيلاء على أراض بوسائل الترهيب والترغيب، سبقت الاعلان رسميا عن انشاء (دولة اسرائيل) بسنوات، وبما أن معنى (الشاهد) مشروط بالمعرفة حتى ولو كانت غير حضورية، فهذا ثابت ومؤكد بأبناء وأحفاد اللاجئين، وبشهداء على نكبة 1948 بالبصر والسمع والمعاناة والمآسي، ومعهم من ابنائهم من كانوا شهداء أيضا، بمعنى الشهداء حضوريا بسمعهم، وأبصارهم، وهم على قيد الحياة، فهؤلاء الشهداء قد عاشوا تفاصيل ووقائع نكبة آبائهم وأجدادهم، ويعرفون المُخَطِط، والمنفذ والمتآمر، والمتواطئ والمتخاذل، والبطل والجبان، والوطني والخائن، والحكيم والعبثي العدمي!

فالنكبة الأولى معروفة، وموثقة بالكلمة، والصوت والصورة، والسجلات، والمخطوطة بأمانة البحث، بين دفات كتب التاريخ الحديث والمعاصر، والمدونة نصوصا لا لبس فيها في محاضر اجتماعات منظمات الشرعية الدولية، والمستخلصة من حروف وكلمات نصوص قراراتها.

ارهاصات (نكبة اليوم) وهي الأفظع مقارنة بنكبات الأمم والشعوب، تشبه ارهاصات (نكبة الأمس) قبل ثمانية عقود، أما الفارق الجوهري بينهما، فهو أن المنظومة الاستعمارية الصهيونية العالمية، قد أحلت جريمة الابادة بحق الشعب الفلسطيني، رغم أحاديث قادتها، عن الحقوق، والحريات، والعدالة، ورغم زخم الشرائع الأممية، وإجماع شعوب العالم، على صوابها، وإمكانية تحقيق السلام بينها، على اساس القوانين الدولية المشتقة منها!

فاليوم نرى المستوطنين الارهابيين، الذين سلحتهم حكومة الصهيونية الدينية، يقتلون ويسفكون دماء الفلسطينيين، ويحرقون عائلات وأطفالا، وبيوتا وأرزاقا، ويدمرون ممتلكات، ويسيطرون بقوة السلاح على اراضي مواطنين فلسطينيين، فهؤلاء صورة مثالية مستنسخة من صورة المنظمات الصهيونية المسلحة بالأمس (الهاغانا) التي انشئت منذ سنة 1920 و(شتيرن) سنة 1940، مع فارق أن منظمات المستوطنين المستعمرين الارهابيين اليوم، تعمل تحت اشراف حكومة، عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تدعي أنها دولة مؤسسات وقانون، رغم انفلاتها وخروجها على القانون الدولي!

ويحظى المستوطنون المجرمون بعفو من رئيس الولايات المتحدة الأميركية وبرفع للعقوبات عنهم، ويشبه هذا الواقع اليوم بتواطؤ المستعمرين البريطانيين مع المنظمات الصهيونية المسلحة خلال فترة ما يسمى الانتداب! اما الفارق الآخر، فهو أن جيش منظومة الاحتلال (اسرائيل) يدمر المخيمات الفلسطينية باعتبارها (الشاهد)، ويسعى لإفناء وإبادة الانسان الفلسطيني (الشهيد) الحي، ونبش عظام الشهيد الضحية المقتول بأحدث أسلحة انتجتها مصانعهم، ومصانع الذين لا يرونهم إلا مجتمعا عسكريا، في اكبر قاعدة عسكرية في العالم سميت (دولة اسرائيل).

يجب ألا يغيب عن بالنا أبدا، أن الدولة الاستعمارية العميقة الكبرى ووكيلها (اسرائيل)، على يقين أن بقاء المخيم، والمدينة، والبلدة، والقرية، والأرض ورموزها المقدسة، وهوية شعبها الفلسطينية العربية، يعني بقاء الشاهد والشهيد، لذلك وحسب مخطط (النكبة الأخرى) اليوم، يعمل المستعمرون المحتلون العنصريون على افناء وإبادة الشاهد على النكبة، والشهيد الحي، يعملون على كسر ارادة الوطني الفلسطيني، المثابر بحكمة وصبر وشجاعة وإخلاص على كسر وتفكيك حلقات المؤامرة، وتعرية رؤوسها، وتجديد حياة الشعب على ارض وطنه، ماديا، وروحيا، وثقافيا، فأرض فلسطين المحررة، وملايين الشعب الفلسطيني الأحرار، المتجذرون فيها وأصحاب السيادة عليها، وما على تضاريسها من مدن ومقدسات، وقرى وبلدات، ومخيمات بأسماء عربية، الشاهد والشهيد، القادر على اطاحة، مشاريع المستعمرين الكبار، والمستخدمين الصغار.

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً