الأمم المتحدة تختصر الأزمة الليبية في لجنة استشارية!

ثابت العمور

هناك مقولة عربية مُجرَّبة تقول إنه إذا أردت إلغاء قضية وتذويبها فشكِّل لها لجنة ينبثق منها عدة لجان حتى تتوه الاصول في الفروع. ويبدو أن الأمم المتحدة التقطت تلك المقولة وتريد تطبيقها، أو للدقة إعادة تجربتها في ليبيا وتسوية أزمتها السياسية السهلة الممتنعة، فهي سهلة لأنها واضحة المعالم، وممتنعة لأن الأطراف المتسببة بالأزمة لا تُريد الحل، والدول لا تُبنى على اللجان فقط.

تُعَدّ ليبيا واحدة من أهم وأبرز الدول الشاهدة على فشل الأمم المتحدة وإخفاقها وافلاسها في تلبية الحد الأدنى من واجباتها. وبالطبع، فإن ليبيا، كحالة سياسية، شاهدة على جملة معطيات كغياب الارادة السياسية، محلياً وإقليمياً ودولياً، وعلى التدخلات والمصالح والأطماع وبالنتيجة فإنه يمكن تفكيك دولة وتفتيتها من أجل تلبية وتحقيق مصلحة طرف ما.

بعد سيرة طويلة ومسيرة مُتعثرة من الإخفاق والفشل ابتدعت بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا “أنسميل”، في الـ4 من شباط/فبراير 2025، تشكيل لجنة استشارية لتقديم مُقترحات لحل القضايا الخلافية العالقة من أجل تمكين إجراء الانتخابات استناداً إلى المرجعيات والقوانين الليبية القائمة.

وفي دفوعها ودفاعها قالت البعثة الأممية إن تشكيل اللجنة يأتي في إطار مبادرتها السياسية متعددة المسارات، التي قدمتها إلى مجلس الأمن في الـ16 من كانون الأول/ديسمبر 2024، وإن مقترحات اللجنة الاستشارية تستند إلى الاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية عام 2015، وخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي، التي أُقرت في مدينة جنيف عام 2021، إضافة إلى قوانين لجنة (6+6) الانتخابية. وتتكون اللجنة “لجنة العشرين” من 20 شخصية ليبية. تمت تسميتهم بناءً على تقويم البعثة لخبرات تلك الشخصيات وقدراتها. وإن تشكيل اللجنة استناداً الى تقويم البعثة وخبرتها كفيل بتفخيخ الحلول وتفجير المشهد الليبي.

المفارقة أن اللجنة الاستشارية المُشكلة لحل الأزمة السياسية في ليبيا ستصبح هي ذاتها مشكلة سياسية، حتى إن فسرت البعثة وبررت وعبرت عن الآلية والمعايير لاختيار أعضاء اللجنة، أهمها أن يكونوا مهنيين وذوي خبرة قانونية ودستورية، وعليهم توافق مع صعوبة تحقق ذلك، حتى إن مُثلت المرأة في اللجنة. ففي الحسابات السياسية الضيقة والصراعات الحزبية لا يلتفت الفرقاء إلى المعايير والكفاءة بقدر اهتمامه بالمُحاصصة.

تشكيل اللجنة الاستشارية في ليبيا لا يخلو من العوار السياسي، ولم يتوافر لها حتى الحد الأدنى من بيئة الاتفاق والتوافق، وتحمل في ثنايا إعلانها بوادر الإخفاق أو الجمود في أفضل الحالات، ذلك بأنه للمرة تلو الأخرى تُثبت البعثة الأممية في ليبيا أنها على غير دراية واطلاع بشأن فهم المسارات والمكونات والمحددات للأزمة وطرائق حلها، وأن إدارتها لحل الأزمة تفضي لأزمة جديدة.

والسؤال: كيف تُشكل لجنة استشارية في ليبيا ورفض الفرقاء فيها مبادرات واتفاقات، واستشارية لمن، وهل هناك إلزامية في قرارات اللجان الاستشارية، حتى الخلفية أو الأرضية التي تأسست عليها اللجنة الاستشارية لم تكن محل اتفاق بين الفرقاء. وكيف يُمكن للجنة استشارية أن تدفع الأطراف الليبية وتقنعها بضرورة التوافق على الذهاب إلى الانتخابات، وهل الأمر بهذه السهولة والانسيابية والسطحية.

وفق رواية البعثة الأممية، فإن اللجنة الاستشارية المُشكلة ليست هيئة لاتخاذ القرارات أو ملتقى للحوار، بل ستعمل تحت سقف زمني محدَّد – لكنه غير معلن متى يبدأ ومتى ينتهي – ويتوقع منها إنجاز مهماتها خلال فترة قصيرة. وستعمل البعثة على تيسير التواصل والتفاعل بين اللجنة والمؤسسات المعنية. عدنا إلى مقولة لجنة تنبثق منها لجان، بإضافة جديدة أننا أمام بعثة أممية لتيسر التواصل بين المؤسسات الليبية والجنة الاستشارية.

وتقول بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إن اللجنة الاستشارية تُعَدّ “جزءاً لا يتجزأ من جهود الأمم المتحدة لدعم مساعي ليبيا كي تتجاوز الانسداد السياسي المستعصي والتشظي”، من أجل تحقيق تقدم نحو إجراء انتخابات وطنية كونها السبيل إلى تجديد شرعية المؤسسات الليبية.

إن قدرة اللجنة الاستشارية على تمهيد الطريق من أجل الذهاب إلى المشهد الليبي نحو الاستحقاق الانتخابي يبدو وسط الجدل الحاصل بشأن تشكيل اللجنة غير ممكن. وقد يُصبح موقف الاطراف الليبية من اللجنة وطريقة تشكيلها وسقفها الزمني وآلية عملها عائقاً أمام مخرجاتها وتوصياتها. وبالتالي، يُصبح مصيرها كمصير سابقاتها ونظيراتها من لجان كلجنة فبراير مثلاً، ولاسيما أن هناك اختلافات وتجاذبات في المواقف الليبية من تشكيل اللجنة الاستشارية.

وفي المواقف الليبية، توافق خالد المشري ومحمد تكالة، المتنازعان على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، على إبداء موقف متحفظ حيال تشكيل اللجنة، فقد عدّ المشري أن تشكيلة اللجنة “غير متوازنة بكل المعايير”، مؤكداً أن اللجنة بعدم التوازن في تشكيلها “يصعب أن تقترح حلولاً متوازنة ومقبولة”. أما تكالة فعدّ أن اللجنة تشكلت “من دون أي معايير”، متهما البعثة الأممية بأنها شكلت اللجنة “من دون التشاور مع الأجسام الشرعية المنوطة بهذه المهمّات دستورياً، وفق الاتفاق السياسي، وهما مجلسا النواب والدولة”.

وقال تكالة إن تشكيل اللجنة الاستشارية من دون التشاور مع مجلسي النواب والدولة سيؤدي إلى “إضافة طرف جديد في الأزمة الليبية بدلاً من حلها”. وعدّ المجلس الرئاسي تشكيل اللجنة الاستشارية “قفزاً على الاستحقاق الانتخابي وإرادة الليبيين، وأنه بعد فشل الأمم المتحدة وتخبطها تحاول الآن إنجاز أي شيء من دون العودة إلى الإجماع المأمول”.

ورحّب رئيس الحكومة الليبية السابق المكلفة من البرلمان، فتحي باشاغا، بإعلان بعثة الأمم المتحدة تشكيل اللجنة الاستشارية. وأكد دعمه لهذه الخطوة كونها “محطة مهمة في تقريب وجهات النظر وتعزيز مسار التوافق الوطني وفقاً للاتفاق السياسي، على نحو يساهم في تحقيق الاستقرار وترسيخ أسس الحل الشامل”.

دولياً، أبدى الممثل الأميركي الخاص لدى ليبيا ريتشارد نورلاند ترحيب بلاده بتشكيل اللجنة، ومواصلة دعم أعمال البعثة الأممية، مؤكداً دعم بلاده للجهود الليبية للاستقرار وتطوير مسار موثوق به نحو الانتخابات. ورحّبت السفارة البريطانية لدى ليبيا بإنشاء اللجنة الاستشارية والتوازن في عضويتها، مؤكدة تأييد بلادها لجهود البعثة الأممية في تنشيط العملية السياسية في ليبيا وإنهاء الأزمة.

يُلاحَظ أنه بينما اختلفت الاطراف الليبية على تشكيل اللجنة وأصبح الانقسام منها وعليها سيد الموقف، اتفقت الاطراف الدولية على دعم اللجنة وتأييدها، فهل هذا كافٍ لنجاح اللجنة، أم أننا سنكون أمام سيناريو معاد مراراً وتكراراً مر فيه كل مبعوثين الأمم المتحدة إلى ليبيا، فالبيئة الليبية ما زالت محملة بالتعقيدات والعقبات، بل إن بعثة الامم المتحدة في ذاتها ليس موضع ترحيب ليبي ولا يعول عليها، فهذا النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري، يجدد رفضه الاعتماد على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا كوسيط للأزمة الليبية، ويقول في بيان: “لا أمل في بعثة الأمم المتحدة، فالحل في أيدي الليبيين”؛ عادّاً ما وصفه بـالفشل المتكرر للمبعوثين الأمميين دليلاً قاطعاً على أن الحل لن يأتي من الخارج، بل سيتحقق بإرادة الليبيين وحدهم.

إن تشكيل اللجنة الاستشارية لإجراء انتخابات عامة في ليبيا قد لا يعدو كونه إنجازاً شخصياً تهدف البعثة الأممية إلى تسجيله في رصيدها فقط أكبر وأكثر مما تطمح وتهدف إلى أن تكون اللجنة جزءاً من الحل.

إن الحل في ليبيا لا يُمكن أن يكون أو يأتي عن طريق الأمم المتحدة أخفقت على مدار أعوام، حتى اختصرت الحل والمشهد الليبيَّين في لجنة استشارية تظنها تمتلك حلولاً سحرية، الحل في ليبيا في يد الشعب الليبي وقواه السياسية وإراداتها الحقيقية في الذهاب للوحدة الوطنية، وقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية، التي بلغت أن يُطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في الأول من شباط/فبراير 2025، من الدول المتدخلة في الشأن الليبي، بالكف عن التدخل في ليبيا. وقال غوتيريش في تصريحات تلفزيونية: “على البلدان التي تتدخل في ليبيا لحماية مصالحها أن تدرك أن من الأفضل أن يكون هناك ليبيا تنعم بالسلم، لأن الجميع سوف يستفيد من ذلك”.

نقلا عن الميادين

تابعنا عبر: