الأميركيون: نتنياهو يلعب لعبة مزدوجة

رتّب ترامب حراسة شخصية له، القطريون والأتراك حصلوا على صلاحيات إدارة، وحتى الأوروبيون انضمّوا إلى المهمة: حماية وقف إطلاق النار من نتنياهو. منذ زيارة الرئيس ترامب للكنيست قبل 12 يوماً، لم يمرّ يوم واحد تقريباً دون وجود مسؤولين أميركيين في إسرائيل، بهدف معلن هو التأكد من عدم خرق وقف إطلاق النار. جارد كوشنر وستيف ويتكوف أصبحا مقيمين دائمين هنا، نائب الرئيس جي. دي. فانس جاء وغادر، ووزير الخارجية ماركو روبيو سيغادر يوم السبت. وفي القريب، سيصل أيضاً رئيس وكالة الـCIA.

في كريات غات أُقيم مقرّ قيادة أميركي. كوشنر وويتكوف شاركا في اجتماع الحكومة، التقيا بضباط كبار، استمعا وتحدثا كثيراً. عندما هاجمت حماس موقعاً عسكرياً إسرائيلياً في القطاع وقتلت ضابطاً وجندياً، لم يسارع ترامب إلى تكرار المانيترا الإسرائيلية المعهودة: “الكل هو حماس”. قال ربما كانت فصائل متمرّدة، وأصدر أمراً بوقف إطلاق النار.
من المحتمل أيضاً أن الإعلام سيُحقَّق معه من قبل الحكومة.

وما هي المطالبة الأساسية من “مبدّل النغمة” في الجنوب؟
مصادر مجهولة في البيت الأبيض أوضحت لصحيفة نيويورك تايمز أن الإدارة لا تثق بنتنياهو وأنها تخشى أن ينسف وقف إطلاق النار لتفادي الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق. ولذلك فُرضت عليه رقابة شخصية مشددة. الجميع يعرف من هو: مُحبِط صفقات متسلسل، كاذب معتاد، ونوع من “بلطجي الحي”. الرئيس نفسه قال: “في كل مرة يكون فيها احتمال لتقدّم، هو يقصف شيئاً ما”.

منذ 29 أيلول، عندما دفع الرئيس باتجاه الاعتذار لأمير قطر عبر مكالمة هاتفية أُعدّ نصها مسبقاً، لم يخفِ ترامب رأيه في “بيبي”. في الكنيست أثنى عليه، لكن ذلك كان مجرد مجاملة سطحية. في مقابلة مع مجلة تايم نُشرت أمس، عبّر مراراً عن ضيق شديد وغضب تجاه نتنياهو. ونُقل عنه قوله: “قلت له، إسرائيل لا يمكنها أن تحارب العالم بأسره. أوقفته، وإلا كان ذلك ليستمر لسنوات”. المبعوث ستيف ويتكوف قال للمجلة إنّها كانت “عبارة مباشرة وقاسية جداً لنتنياهو. الرئيس لم يعد لديه صبر على أي شيء لا يتعلق بالاتفاق”.

في المرة القادمة التي سيظهر فيها البوق المكلّف في الاستوديو ليشرح أن الخطة وُلدت في ذهن رون ديرمر، بمبادرة من رئيس الحكومة، وفي المرة التالية التي سيتفاخر فيها نتنياهو بأنها “عمل مشترك”، يجدر تذكّر هذه الأقوال.
طالما الأميركيون هنا، يُبقون نتنياهو تحت المراقبة اللصيقة، يمكن الاطمئنان. خلف ابتساماتهم ولغتهم الدبلوماسية، يحملون عصاً غليظة.
قال فانس في مؤتمر صحفي، بعينين تلمعان بخبث: “إسرائيل ليست دولة تابعة، ولسنا نراقبها كطفل رضيع”. إلى جانبه تقلّص نتنياهو في مقعده، وعيناه تذرعان المكان، مدركاً الأثر المدمّر لمثل هذه العبارات حتى عندما تُقال بصيغة النفي.

تدويل النزاع – نجاح نتنياهو؟
لم “يُمرْكِن” نتنياهو إسرائيل فحسب (أي لم يجعلها تابعة لترامب)، بل نجح أيضاً في تدويل النزاع. بعد عامين من قول “لا – لا – لا”، ومن إطالة أمد الحرب، ومن غياب أي مبادرة سياسية بشأن مستقبل غزة، وجدنا أنفسنا مع القطريين والأتراك والسلطة الفلسطينية، وفعلياً أيضاً مع حماس، يديرون القطاع.

في المقرّ الأميركي يتمركز أيضاً ممثلون من بريطانيا، ألمانيا، الدنمارك، الإمارات والأردن. لطالما كان مصطلح “تدويل النزاع” كلمة قذرة في قاموس اليمين – تماماً مثل “الدولة الفلسطينية”. والآن، تحت قيادة رئيس حكومة قوي من اليمين وحكومة قومية يمينية، يُدوّل النزاع، ويُمهَّد الطريق نحو دولة فلسطينية، حماس لم “تُمحَ” وغزة لم “تُسوَّى بالأرض”. ومع ذلك، يعتلي نتنياهو منبر الكنيست ليقدّم نفسه كيهودا المكّابي بنسخة تشرشل. أنصاره السذّج يصفّقون له، لكنهم في قرارة أنفسهم يعرفون الحقيقة.

الغضب والإحباط اللذان يشعر بهما قادة أحزاب اليمين الكهاني – الفاشي، بن غفير وسموتريتش، بسبب “الضفادع” التي اضطروا لابتلاعها، عبّرا عنهما في تصويت أعضاء كتلتهم على ضم الضفة الغربية، رغم توسّلات مكتب رئيس الحكومة.

التصويت، الذي جرى أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي، فَجّر غضب الأميركيين. لم يصدّقوا أن “الملك بيبي” لم يتمكن من منع هذه الطعنة في العين. وهم يتساءلون: هل يلعب لعبة مزدوجة؟ نتنياهو ووزير خارجيته جدعون ساعر كذبا عندما اتهما المعارضة بأنها “تحاول إحراج الحكومة” (وكأنّ ذلك محرّم). في الواقع، أيّد القرار عدد أكبر من نواب الائتلاف مقارنة بالمعارضة.

كل شركائه، بلا استثناء، يحتقرونه. لا احترام على الإطلاق. ائتلافه يبدو كرفح. الأحزاب الحريدية تصعّد مقاطعتها له، ما لم ترَ نصّ “قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية” بمصادقة المستشارة القانونية للجنة الخارجية والأمن، ميري فرانكل-شور. أرييه درعي، المتعطّش للعودة إلى مراكز القوة، أمر أمس رؤساء اللجان في الكنيست من حزب شاس بالاستقالة فوراً.

الراحة الوحيدة التي يجدها نتنياهو تأتي من حزبه المطيع. وزراؤه المصفّقون، ضعفاء الشخصية في بدلات رسمية، يطلبون من الرئيس يتسحاق هرتسوغ “ممارسة صلاحياته” لإلغاء محاكمته، دون أن يتجرأوا على ذكر الكلمة صراحة. كلهم وقّعوا، كأنهم دمى صغيرة. ليتنا نحظى بعفو منهم قريباً.

هارتس